07-12-2015 10:00 AM
بقلم : المحامي الدكتور احمد محمد العثمان
مما لا خلاف عليه في الفقه والقضاء الاداري ان العلاقة بين الادارة العامة والموظف هي علاقة تنظيمية ، أي ان هذه العلاقة تنظمها الانظمة النافذة وقت التعيين واي تعديلات اخرى تطرأ عليها لاحقا ، أي ان الموظف لا يستطيع الاحتجاج والتمسك بالنصوص القانونية النافذة وقت تعيينه باعتبار ذلك من الحقوق المكتسبة وعلة ذلك هو ادامة وتطوير اداء الادارة العامة .
وبناء على ذلك فان للادارة العامة ان تنقل الموظف من مكان لاخر دونما حاجة لاخذ موافقة لكن هذه السلطة ليست مطلقة من كل قيد وشرط ، بل هي سلطة محفوفة بالعديد من القيود التي يتعين على الادارة العامة مراعاتها عندما تقرر نقل الموظف من مكان لاخر، ومن هذه القيود مايلي :
1- مبدأ المشروعية
بمعنى ان يصدر قرار النقل وفقا للاوضاع والمبادئ القانونية النافذة وقت اصدار قرار النقل ، فان خالفت او تجاوزت الادارة العامة مبدأ المشروعية كان قرارها باطلا وقابلا للابطال.
2- مراعاة قواعد الاختصاص
فقد حدد نظام الخدمة المدنية الجهة المختصة بنقل الموظف ، فان صدر قرار النقل عن جهة غير مختصة كان القرار المذكور باطلا او منعدما حسب درجة مخالفة قواعد الاختصاص .
وايضاحا لما تقدم فاذا اناط التشريع بالامين العام للوزارة صلاحية نقل الموظف من مكان الى اخر ، فان قرار النقل يجب ان يصدر من الامين العام ، فاذا صدر القرار عن الوزير كان القرار باطلا ، ولا يرد القول هنا ان الوزير مسؤول عن الامين العام ، او ان الوزير يقف في راس الهرم الاداري في سلطات الوزارة ، لان الاصل في ممارسة الاختصاصات انما تكون وفقا لما قررها المشرع ، فما اناطه المشرع بالامين العام او مدير الدائرة لا يستطيع الوزير ممارسته ، بالرغم من ان الوزير يعلو المذكورين كسلطة رئاسية ، فالاصل ان يمارس الاختصاص وفقا لما قرره المشرع وعلى رجال الادارة العامة احترام ارادة المشرع ، فان خالفها رجل الادارة ومارس صلاحية منوطة بسواه ، كان عمله باطلا او منعدما ، وقد استقر قضاء محكمة العدل العليا على ذلك .
3- عدم المساس بدرجة وراتب الموظف
اذ يجب ان لايؤدي قرار النقل للمساس بدرجة الموظف الوظيفية او راتبه مساسا سلبيا ، بمعنى انه يجب ان لا يترتب قرار نقل الموظف تنزيل درجة الموظف او راتبه ، لان الدرجة والراتب من الحقوق المكتسبة التي لا يجوز المساس بها .
ويعتبر مستوى الارتباط الوظيفي للموظف جزء لا يتجزأ من الدرجة الوظيفية ، وايضاحا لذلك اقول : اذا كان الموظف قبل نقله يرتبط وظيفيا مع الامين العام ، ثم اصبح بعد قرار النقل يرتبط مع رئيس قسم او مدير مديرية فان ذلك يعتبر تنزيلا لدرجته الوظيفية ويكون قرار النقل في هذه الحالة قابلا للابطال .
4- وجود الوظيفة المنقول اليها على جدول تشكيلات الوظائف وشغورها
أي يجب ان تكون الوظيفة التي سينقل اليها الموظف موجودة على جدول تشكيلات الوظائف وقت صدور قرار النقل ، أي انه لا يجوز نقل الموظف الى وظيفة غير موجودة على جدول تشكيلات الوظائف ولو كانت في مسماها اعلى بكثير من الوظيفة التي تم نقله منها ، وعلة هذا القيد ان عدم وجود الوظيفة على جدول تشكيلات الوظائف يعني عمليا طرده من الخدمة المدنية وهذا امر محظور .
كما يشترط ان تكون الوظيفة التي ينقل اليها الموظف شاغرة ، اذ لا يجوز اشغال الوظيفة باكثر من موظف ، او باكثر من العدد اللازم من الموظفين لاشغالها ، فان خالف قرار النقل هذا الشرط اصبح عرضة للالغاء .
5- توفر الشروط الرئيسة في الموظف لاشغال الوظيفة التي تم نقله اليها
وعلة هذا الشرط هو الافادة القصوى من الموارد البشرية ، فاذا كانت تعليمات وصف الوظائف تتطلب في الوظيفة التي تم نقل الموظف اليها تتطلب في الموظف ان يجيد اللغة الانجليزية وكان الموظف المنقول لا يجيد تلك اللغة فان قرار النقل يكون باطلا والحالة هذه وقابلا للابطال.
6- ان لا ينطوي قرار النقل على عقوبة تاديبية مقنعة
اذ لا يجوز استحداث عقوبة على الموظف غير منصوص عليها في نظام الخدمة المدنية ، وحيث ان النقل من وظيفة الى اخرى او من مكان الى اخر لم يرد النص عليه عقوبة تاديبية فلا يجوز نقل الموظف كعقوبة تاديبية وذلك لسببين هما :-
أ- لان ذلك يخالف مبدأ شرعية المخالفات والعقوبات التاديبية الذي يقضي بانه لا مخالفة ولا عقوبة تاديبية الا بنص ، بمعنى انه لا يجوز المخالفة على فعل لم يرد النص عليه بانه مخالفة ، كما لا يجوز ايقاع أي عقوبة على أي مخالفة لم ينص عليها في التشريعات النافذة .
ب- لان النقل كعقوبة تاديبية يشكل قرينة على ان الذي قام بايقاع العقوبة على الموظفة انما اراد الافلات من الاجراءات التاديبية وفي ذلك ما فيه من الاخلال بحق الموظف في الدفاع عن نفسه وهذا امر محظور قطعا .
7- مراعاة الاجراءات التي اوجبها المشرع
فاذا اشترط المشرع وجود تنسيب قبل اصدار قرار النقل من جهة معينة ، فان عدم وجود هذا التنسيب يجعل قرار النقل قابلا للابطال بالرغم من ان التنسيب غير ملزم لصاحب الصلاحية باصدار قرار النقل ، لكنه اجراء شكلي سابق على صدور النقل يتعين مراعاته .
8- عدم الاخلال بالتوازن المالي للموظف
فالاصل ان الموظف يعتمد في ترتيب اوضاعه المعاشية والمالية والحياتية على راتبه باعتباره المصدر الوحيد او الرئيس لحياته المعاشية ، حيث يبني الموظف موازنته المالية وتوازنه المالي على دخله الوظيفي ، مما يجعل أي اخلال بهذا التوازن من قبل الادارة العامة امرا غير مقبول ، بل قد يترتب عليه عدم قدرة الموظف على القيام بزاجباته الوظيفية ومن حيث النتيجة تعطل الادارة العامة عن القيام بواجباتها في الدولة ، وهذا امر في غاية الخطورة.
لذلك وتطبيقا لما تقدم فانه لابد في كل قرار نقل للموظف العام من مكان الى اخر ان تراعي الادراة العامة التوازن المالي للموظف ، فاذا ادى او كان قرار النقل المكاني للموظف سيؤدي للاخلال بالتوازن المالي للموظف فان ذلك يوجب على الادارة العامة عدم نقل الموظف مكانيا ، او ان تقوم الادارة العامة بتعويض الموظف المذكور عن الفرق المالي الذي تحمله الموظف نتيجة قرار نقله ، وللايضاح اكثر اقول : اذا ترتب على نقل الموظف تحميله نفقات انتقال او اجور سكن اكثر مما كانت عليه، او نفقات اضافية لتعليم ابنائه او اجور مواصلات اضافية على زوجته او افراد اسرته الذين يعيلهم فان الادارة بالخيار من عدم اجراء نقله او تعويضه عن كل ذلك ، فان هي لم تفعل كان قرار نقل الموظف عرضة للالغاء لانه اخل بقيد عدم المساس بالتوازن المالي للموظف .
ولا يجرح ذلك ولا يقدحه القول بان المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة ، لان اعمال تلك القاعدة انما يكون اذا تعارضت المصلحة العامة مع المصلحة الخاصة ، واستحال التوفيق بين المصلحتين او تحقيقهما او مراعاتهما معا ، فان امكن تحقيقيها معا فذلك اولى ، فمثلا اذا كان الموظف اصلا في عمان وهو يقيم في عمان واولاده في مدارس عمان ويستاجر بيتا باجرة قديمة في عمان وزوجته تعمل في عمان ، واقتضت مصلحة العمل نقله الى العقبة لعدم وجود غيره يستطيع القيام بعمله بذات الكفاءة ، فان المصلحة العامة تقتضي نقله الى العقبة ، لكن نقله الى العقبة سيؤدي الى الاخلال بالتوازن المالي لذلك الموظف الامر الذي قد يمنعه من القيام بعمله او سيرهقه ماليا ، لذا فان المصلحة العامة تقضي بنقله الى العقبة لكن مصلحة ذلك الموظف الخاصة تقضي ببقائه في مكان عمله في عمان ، عندئذ يمكن التوفيق بين المصلحتين بنقله الى العقبة وبذات الوقت تعويضه من الخزينة العامة عما تحمله من فرق النفقات و عندئذ تكون الادارة قد حققت المصلحتين العامة والخاصة .
الطعن بقرار نقل الموظف
يستطيع الموظف الذي صدر القرار بنقله من مكان الى اخر ان يطعن في ذلك القرار لدى المحكمة الادارية التي لها صلاحية النظر والفصل في الدعوى وفقا لقانون القضاء الاداري ، فاذا قررت المحكمة الغا قرار النقل اصبح قرار النقل كان لم يكن .هذا ما تراءى لي فان اصبت فحمدا لله على ذلك وان اخطأت فاعوذ بالله من الشيطان .