09-12-2015 09:26 AM
بقلم : رقية القضاة
وحدّث يا ميسرة ولا تملّ الحديث فسيّدتك خديجة الطاهرة في عجب مما تقول،وأسهب يا ميسرة بوصف أخلاق رفيقك الصادق الأمين ،حلمه وسماحته ،جوده ونداه ،عطفه وعفته ،بركة كسبه ووفرة ربحه،وأمانته في بيعه وشراءه،فسيدة نساء قريش ترى كسب تجارتها في ازدياد مذ صار محمد الامين راعي مالها ،المرتحل به رحلة الشتاء والصيف
وتقع صفات محمد من قلبها الشريف موقعا حسنا ،ويحدثها عقلها الرزين بأنه مامن رجل في قريش يفضله زوجا لها ،وهي الشريفة النسب العلية الحسب ،الملقبة بالطاهرة ،سيدة نساء قريش بحق ،يخطبها كبراء القوم ،وقد ترملت مرتين ،فلا تجد في نفسها ميلا ولا قبولا لأحد منهم ،فروحها النقية تحلّق في أفق المكرمات،وقلبها الطيّب لا ينقاد لاي دعوة زواج من وجيه اوسيّد مطاع ويتزوج محمد بن عبد الله الصادق الامين خديجة بنت خويلد الطاهرةالشريفة
ويتردد في أرجاء مكةانّ خديجة قد رضيت محمدازوجا لها،فينشق،غيظا صدر ذاك السيّد العظيم في ناديه ، أن يلقى من خديجة الرفض ،ويلقى منها محمدا القبول ،وتمتليء عجبا نفس ذلك السيّد الثري الكانز لآلاف الدراهم والدنانير،ألّا تهتبل خديجة الثرية عرضه فيتضاعف مالها ويزداد ،ويرى اهل الفضل والحلم في هذا الزواج كفاءة وخيرا ،وهم يعرفون لمحمد وخديجة قدرهما وكمال خلقهما وطهر نفوسهما ،فتغدو مكة كلها فرحة بهذا الزواج المبارك المنعقد لخمس وعشرين ليلة مرت من صفر عام خمس وعشرين من عام الفيل
ويعيش الزوجان حياة طيبة كريمة ،ويرزقان ذرية طيبة،وتمضي أيامهما في هناء ورغد وانسجام
ويحين شهر رمضان وهو موعد تعبّد محمد كل عام ،ومكان تفكره وعزلته في غار حراء،وهي عادة اعتادها فلا يقطعها،وما كان ليعرف أنها ذات عام ستكون موعد بعثته نبيا ورسولا ،ونقطة انطلاق الهدى والنور والبركات
ويهبط الوحي الأمين بكلمات الله الباقية الخالدة ليحمّله أمانة الرسالة ،وشرف النبوّة ،ومحمد يسمع الوحي ويراه ،فيفرق ويرتعب ،ويعود إلى بيته ،حيث القلب الحنون والنفس الطيبة ،والمودّة الخالصة ،فتتلقاه خديجة الودودة المحبة تطمئنه وتبشره وتهديء من روعه روى الإمام البخاري في صحيحه وغيره عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنه عندما رجع رسول الله صلى الله وسلم أول ما أوحي إليه من غارحراء(فدخل على خديجة بنت خويلد- رضي الله عنها- فقال: زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي فقالت خديجة كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق.
وتمضي رحلتهما معا بعد البعثة ،وقد آمنت به صلى الله عليه وسلم رسولا هاديا ،وآزرته رضوان الله عليها وواسته بنفسها ،ومالها ونصرته وأعانته في كل ميدان طرقه ،وشاركته كل شدّة وكربه فمن المقاطعة الى المحاصرة في شعب بني هاشم ،صبر يتلوه احتساب ،وبذل يتبعه رضى وتقدير، وتظل خديحة دائما حانية صابرة، ويظل رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجا محبا وفيا وتحين لحظة الفراق المحتوم ،وتطوف حول الزوجين المتحابين المترافقين لربع قرن من الزمان ،تطوف بهما ساعات الوداع القاسي الأليم ،وقلب النبيّ يرقّ اشفاقا وحزنا، وقلب خديجة يشتاق للجنة ويتنازعه الحنوّوالعطف ،والخوف عليه صلى الله عليه وسلّم ان ينصب ويتعب،حين يفقدالشريكة الداعمة الطيبة ،تلك التي كانت ذات يوم نصف الاسلام ،عشية آمنت برسول الله ولم يكن غيرها معه بعد
وتذكر خديجة وهي مقبلة على ربّها بيقين ورضى ،تذكر حين يبشّرها زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث اتاه جبريل عليه السلام فقال:'يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ'. فتستبشر خيرا من ربها وتلقاه سبحانه راضية مرضية
ويسير ركب الدعوة الى الله ويهاجر المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة ’وقد أخرجه الذين كفروا ،حين صدّت قلوبهم عن ذكر الله ،وأضلهم ابليس عن الهدى ،فتلقاه اهل المدينة بقلوبهم ومحبتهم واسكنوه عيونهم وافئدتهم ،واستقر به المقام في دار الهجرة الشريفة،وانطلقت اشعة الهدى تملأ الأرض دفئا ورحمة وعدلا ،وفي غمار معركة التوحيد والجهاد واقامة الشرع لم ينس النبي ّصلى الله عليه وسلم خديجة الطيبة الطاهرة فهاهو يذكرها ويذكرها ،ويسر لرؤية من يذكّره بها ،وتغار عائشة رضي الله عنها لكثرة ذكره صلى الله عليه وسلم لخديجةوذلك لشدة حبها له صلى الله عليه وسلم وها هي تقول: {ما غِرْتُ على أحد من نساء النبي ما غرت على خديجة رضي الله عنها، وما رأيتها، ولكن كان النبي يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء، ثم يبعثها في صدائق خديجة رضي الله عنها، فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة. فيقول: 'إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد
وحين يذكرها صلى الله عليه وسلم يذكر الود والطيب والمؤازرة الصادقة والمودة الخالصة وقد استقر ودها في قلبه الشريف فيقول {لقد رزقت حبّها }