10-12-2015 03:09 PM
بقلم : المهندس عصمت حداد
في قراءة قصصِ الكتابِ المقدسِ.. عبرٌ كثيرةٌ ودروسٌ ومواعظ.. كما في قصصنا القرآنية، ومن القصصِ البليغةِ الإنجيلية.. قصةُ يهوذا الاسخريوطي الذي غدر بأستاذه ومعلمه السيد المسيح وخانَهُ وتآمر مع كَهَنةِ اليهود.. لتسليمه مقابل "30 قطعة فضية"، ودلَّ عليه الجنودُ الرومان ليعتقلوه ويقودوه إلى الموت.
عندما اقتحم الجنود الرومان البستانَ - الذي لجأ إليه المسيح وتلامذته - تصدى لهم التلامذةُ وتسابقوا دفاعاً عن معلمهم.. لفدائه فادَّعى كل واحد منهم أنه هو المسيح المطلوب، لكن يهوذا.. كان قد اتفق مع الجنود.. على أنَّ من سيقبّله.. هو نفسه الرجل المطلوب..ذلك إشارةً إلى السيد المسيح، وبالفعل اقترب يهوذا من السيد المسيح وقبّله كما لو كان يعبر عن حبه له بلا مبرر في تلك اللحظة القاسية أمام الجنود.. فعرفوا على الفور أن من يبحثون عنه.. كان قد وقع الآن، وعندها قال له السيد المسيح على الفور كلمته الشهيرة: " يا يهوذا، أَبِقُبلةٍ تُسَلِّمُ ابن الإنسانِ؟ "، وسمي منذ ذلك الوقت "يهوذا المسلّم" (أي الذي سلّم المسيح لأعدائه)، قبلة يهوذا هي الأشهر في التاريخ البشري كله؛ لأنها القبلة القاتلة، وقبلة الخيانة.
بلفور الذي قَبَّلنا جميعاً قبل قرن من الزمان قُبلته المسمومة.. قبلة الكذب والظلم .. قبلة الخيانة عام 1917م التي أرسلها آرثر جيمس بلفور إلى اللورد روتشيلد قبل شهر من احتلال الجيش البريطاني فلسطينَ، قبلةٌ يؤيد فيها إنشاء وطنٍ قومي لليهود.. والذي لم تتجاوز نسبتهم آنذاك 5% من مجموع السكان فيه، قبلةٌٌ خَلَّفت ورائها النكبة والهجرة والتشرد للفلسطينيين من أراضيهم وقراهم الأصيلة، هذه القبلة التي أصبح أسمها "وعد بلفور".. والذي بقي شرفاءُ العرب وأحرار العالم يصفونه :" وعد من لا يملك.. لمن لا يستحق ".
أي القبل الاسخريوطية نتذكر اليوم.. قبلة سايكس بيكو!! أم قبلة سان ريمو!! أم قبلة 48.. وقبلة 67.. ومذابح دير ياسين وصبرا وشتيلا!! أم قبلة الفوضى الخلاقةِ.. وقُبَلِ الخريف العربي الذي اهلك العباد وحرق البلاد!! وعن أي يهوذا منهم نتحدث.. بلفور، أم شارون وشامير، أم عن بوش ورامسفلد وبريمر؟!!
يا طَقُّوع : لن تنتهي الحكاية هنا كما انتهت الرواية الإنجيلية.. طالما أن الشعب الفلسطيني في بستان المقاومة والصمود، مهما تكالبت عليهم هذه اليهوذات من كل أرجاء الكون بمختلف أصولهم ومنابتهم ودولهم، ومهما كانت قبلهم المسمومة الملوثة، فإن كل خياناتهم وظلمهم ومكرهم ودسائسهم لا تساوي عند شرفاء هذه الأمة إلا "30 قطعة من الفضة"، الفارق بين يهوذاتنا وبين يهوذا الاسخريوطي.. هو أن بعض الأناجيل تتحدث عن ندم الأخيرِ وشقائهِ بعد أن سلّم المسيح فرمى قطع الفضة في الهيكل، وخرج ليشنق نفسه، واليومْ.. يهوذاتنا يتمسكون بقطع الفضةِ.. ولن يسقط ندمهم، وسيبقى العار يلُفُّهم ويلطِخَهُمْ؛ لأنهم يبحثون عن قُبَلٍ بطعمٍ أخرٍ.. قُبلٍ ناعمةٍ تشبه صوت فحيح الأفاعي!!.
يا شرفاءَ الوطن: سنخاطبهم كما خاطب السيد المسيح الناسَ عندما قال: " من كان عنده سِراجٌ.. فليعلقه على أعلى منارة "، وهنا أتسائل أيها الشرفاء.. هل هناك أعظم من فلسطينَ سِراجاً ؟!! فلسطينُ هي سِراجُنا ، وسنعلقها فوق أعلى منارة، وستبقى مساجِدُ فلسطينَ وكنائِسها.. قبلَتُنا.. رغم أنفِ كل يهوذات الدنيا وقُبَلِهم وخياناتهم .
" يا طَقُّوع: ثوب العِيرَهْ ما يدفِّي.. وِنْ دفَّى ما يدوم!!"