05-09-2008 04:00 PM
تستغرب من موقف البعض عندما يقول : نعم ...نعلم ان هناك الكثير من الأزمات الإجتماعية وأن هناك استغلال من قبل الأغنياء للفقراء وأن هناك انعدام للعدالة على مستوى العالم ...وأن ...وأن ...وأن ....الخ ..ولكن ما العمل ؟ هذه اقدار ...وهذا قدرنا ...ويأخذ هذا البعض بالبحث عن تبريرات فجة وغير مقنعة وغير منصفة تبرر للظلم الإجتماعي ومن يمارس هذا الظلم على الفقراء وعلى سواد الشعب ...وقد يكون من يقول مثل هذه الأقوال اعداء التقدم الإنساني انفسهم الذين يحاولون اقناع الآخرين بأن اي نظرية اجتماعية اقتصادية سياسية للتغيير المجتمعي على كل الأصعدة ما هي الا مجموعة تعاليم غامضة ومعقدة ومملة ...ويقولون ان الأفكار التقدمية مجردة ...هي جيدة ربما نظريا ولكن على ارض الواقع تكون فاشلة ...وهؤلاء انفسهم ( اصحاب هذه الأطروحات ) غالبا ما يكون لهم نظرية يهتدون بهديها حتى ولو رفضوا الإعتراف بذلك ...ولو وجهت اليهم اي سؤال عن المجتمع لوجدتهم يجيبونك بنوع من التعميم وسيعزون الظلم الإجتماعي الذي تعيشه البشرية الى اسباب تفتقر الى المنطق العلمي المتماسك والمقنع ...فقد يعزون ذلك الى أنانية الإنسان ...وقد يراوغون بالقول بأن لولا الأغنياء لما وجد الفقراء فرصة للعمل ...وقد يشيرون عليك بنصيحة مجانية مفادها ..أن تعليم العمال والفقراء سيغير المجتمع وبنيته ...وقد يلجأون الى القول بأن التدهور الأخلاقي هو الذي اوصل البلاد والعباد الى هذه الحالة المزرية من الفقر والعوز ...ان هذه المقولات المحبطة ( بكسر الباء وتشديدها ) خطيرة أشد الخطر خصوصا على من يحاول التغيير في بنية المجتمع من حيث هو مجتمع تسوده العلاقات الرأسمالية الى مجتمع تسوده العدالة الإجتماعية ...وكما قرأنا في تاريخ اوروبا ...انه في اواسط القرن التاسع عشر وعندما نشأت الصناعة في بعض المناطق الأوروبية اضطر الفقراء والمعدمين ( رجالا ونساء واطفالا ) الى العمل بأجور زهيدة للغاية في ظل ظروف بالغة القسوة مقابل اجور بخسة ...ومنذ ذلك الوقت بدأ النضال ضد تلك الأوضاع من اجل حقوق العمال ...وشهدت بريطانيا اول اضراب كبير عام 1842 م بسبب تعنت اصحاب العمل ورفضهم لمطالب العمال العادلة ...ومنذ ذلك الوقت ايضا تباينت المواقف والإتجاهات داخل صفوف الحركات العمالية وصفوف مناصريهم من التقدميين الذين ساندوهم في نضالاتهم والذين ساهموا في وضع الأسس النظرية لهذه النضالات ..والواقع ان كافة الأفكار الثورية التي وضعت ابان تلك الفترة حول المجتمع والصراع الإجتماعي والصراع الطبقي ما زالت صالحة حتى الآن وما زالت واسعة الإنتشار..... ..ومنذ اواسط القرن التاسع عشر ...ومع اتساع رقعة المواجهة بين الرأسماليين من جهة وبين الطبقة الكادحة والفقيرة من جهة اخرى ونتيجة للتطور الصناعي المتنامي في شتى بقاع الأرض ..ما زالت الأفكار التي تدعو الى التغيير و التي جاء بها مفكرون عديدون تجد من يتبناها ويتخذها مرجعية للمواجهة مع الطبقات المستغلة وصاحبة النفوذ للحصول على حقوق الطبقات الفقيرة ...ومن الغبن لهذه الأفكار التغييرية القول بأنها ما عادت تصلح ..او انه قد عفى عليها الزمن ...وكما هو واضح لكل متابع منصف نجد ان كافة الأفكار التي تدعو الى التغيير الإجتماعي وإلى المزيد من انصاف الطبقات الفقيرة ما زالت واسعة الإنتشار كما اسلفنا....ومثلما تجادل الناس في السابق حول القوة المعنوية والقوة المادية نجد ان دعاة التغيير اليوم يتجادلون حول الطريق البرلماني او الطريق الثوري ..والثوريون بدورهم يتجادلون حول الإرهاب بين مؤيد ومعارض وبنفس الحدة التي كانت موجودة منذ اواسط القرن التاسع عشر ...ان النظر الى الظروف المادية للمجتمع الذي تنشأ به افكار معينة يبقى ضروريا كي نستطيع ان نفهم كيف تغير هذه الأفكار المجتمعات وكيف ولماذا يتقبلها الناس ويتخذونها مرجعيتهم الفكرية في مجمل نضالاتهم من اجل حصولهم على حقوقهم الطبيعية .. ..ولكن لا بد من القول هنا ان الأفكار المجردة لا يمكنها بأي حال تغيير المجتمع ...اذ لا بد ان يوجد أناس يؤمنون بهذه الأفكار ويناضلون من اجل اوسع انتشار لها في صفوف الطبقات التي وضعت هذه الأفكار ( النظرية ) من اجلها ...ولكي نفهم سيرورة التاريخ فهما حقيقيا يجب ان نرى البشر ( صانعي هذا التاريخ ) كجزء من العالم المادي الملموس ..اذ ان سلوك الإنسان الإجتماعي ...بكل ما يكتنفه من صراعات وتناقضات وتوافقات ...يتحدد بالقوى المادية المحيطة به ...ولذلك كانت دراسة التاريخ الإنساني جزءا من الدراسة العلمية للتاريخ الحي .... ويعتبر الفكر الجدلي خطوة عظيمة الى الأمام مقارنة بالتصورات والنظريات المثالية والماورائية والغيبية ...ذلك اننا اصبحنا نستطيع تفسير التاريخ والصراعات الممتدة عبر هذا التاريخ بمعزل عن التفسير الغيبي...ان استبدال الأفكار المثالية بالفكر الجدلي هو بالضبط استبدال الخرافة بالعلم ...ومع ذلك نقول انه ليست كل التفسيرات المادية لسلوك الإنسان صحيحة ...خصوصا التفسيرات الميكانيكية التي لا تأخذ الظروف المحيطة بالمجتمعات بعين الإعتبار ...وهذه هي احدى اهم مزايا الفكر الجدلي الذي استطاع اكتشاف العلاقة الجدلية بين الإنسان ومختلف ما يحيط بهذا الإنسان من ظروف تؤثر على توجهاته ..بل وعلى طريقة تفكيره ... نخلص الى القول بأن الإنسانية وما تصبو اليه من تقدم وما تنشده من عدالة اجتماعية تحتاج الى نظرية انسانية تضع الإنسان في مكانه الطبيعي الذي يستحقه ...وهذه النظرية هي التي ترشده الى ما يترتب عليه من حقوق وواجبات اتجاه الإنسانية وتقود نضالاته ضد اعداء التقدم والتطور والإنسانية ....
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
05-09-2008 04:00 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |