15-12-2015 10:10 AM
بقلم : المهندس عصمت حداد
(جان بول سارتر) - مؤسسُ المدرسة الوجودية في الفلسفة - كتب يوما - عن قضيةِ الاختيار والقرار - قصةً ضربها كمثالٍ عن الكيفية التي إنضمَ بها كثيرٌ من الشبان لحركة المقاومةِ أثناء الاحتلال النازي لفرنسا، وكان هناك شاب في إحدى القرى يعيل والدته التي ليس لها سواه، وقف هذا الشاب حائراً بين أن يختار الالتحاق بالمقاومين واحتمال الموت.. وترك أمه تتدبر أمرها لوحدها.. وبين أن يُضحي بفكرة المقاومة من أجل عمل نبيل آخرٍ.. وهو رعاية والدته التي ليس لها معيل سواه، وفي القرية كان هناك رجل يُحمّس الشباب للمقاومة، وقِسٌّ يرعى كنيستها، واحتار الشابُ..أي رجلٍ يساعده على اتخاذ هذا القرار، وبعد ترددٍ.. قرر سؤال القس الذي نصحه بالبقاء إلى جانب والدته رأفة بها وتطوعاً لعملٍ نبيلٍ مختلفٍ عن فعل المقاومة.
(سارتر) فسر الأمر على أن الشاب كان قد حسم أمره – سلفاً - بعدم الالتحاق بالثوار، وبأن الشاب قرر أن يتوجه بسؤالهِ إلى القس والابتعاد عن الرجل الحماسي للمقاومة الذي كان يحث الشاب على ترك أمهِ لمصيرها.
ما كان يحصل تحت قبة البرلمان قبل أيام.. يدعو للاستهجان؛ فمن شاهد وسمع تصريحات نواب الشعب - قبل جلوسهم مع الحكومة ونشر عرائضهم وتواقيعهم على الصحف الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي - يشعر أن معركةً حاميةَ الوطيس سيخوضها البرلمان أمام الحكومة، معركةً كان يتقدم إليها (76) فارساً من فرسان البرلمان لحجب الثقة عن الحكومة ومحاسبتها على نهجها الاقتصادي.. معركة كان شعارها البرلماني.. الدفاعُ عن المواطنين وعن جيوب الفقراءِ، معركةً انتظرها وترقبها كلُّ المواطنين، وشعرنا عندها بأننا سنحتفل بعودة مجلس الشعب للشعب.. ليس رغبة من الشعب بحدوث الأزمات على مستوى الوطن، فهذه ليست من شيم الأردنيين.. ولكن، لأنهم فقدوا الأملَ بالاحتفالِ ولو لمرةٍ واحدةٍ من باب.. لعل وعسى!!.
لقد كشفت الأزمة أن (سارتر).. كان محقاً بما فسره عن ذلك الشاب الذي سأل القس.. ويبدو بأن سارتر ما زال يعيش بيننا.. حتى هذه الأيام، وبغض النظر عن الحوار الذي جرى بين المكتب الدائم والحكومة قبل الجلسة.. وعن موقف الحكومة وتراجعها، فما أن صرحت الحكومة وأعلنت قرارها.. حتى تنفس الصعداءَ الكثيرُ من أصحاب السعادةِ، وبدأ الكثير منهم يشكر ويُثني على الحكومة، ومنهم من عزى هذا النجاح للنواب والحكومة معاً، ومنهم من عَتِبَ على الحكومة لعدم توضيح الأمر لهم قبل ذلك.. وكأنهم يقدمون العذرَ لها!!
وما كان محزن جداً.. هو ذلك المشهد الهوليودي أمام وسائل الإعلام في آخرِ الجلسة، وهذه المحاولات المفتعلةِ لتسجيل المواقف أمام المواطن والناخب الأردني.
إنهم لا يعرفون بأن هذا الشعبَ قد أصبح يُفرز الغثَّ من السمينِ.. وبأننا لم ولن نحتفل كما كنا نريد؛ فالعرس الديمقراطي.. يحتاج إلى النور، ومازال الظلام دامساً تحت القبة!!!
" وقرر يا غزيل..قرر..وآآآآآآآه يا غزيل "