15-12-2015 10:56 AM
بقلم : الدكتور رائد القديرات
أحزن جداً على تلك الأم، تنهمك من الصباح الباكر في العمل الدؤوب، تعد كل شيء، وتجهز كافة التفاصيل الدقيقة، وتذهب منهمكةً إلى عملها ثم تعود منهكة القوى ذابلة العنين، مشطورة الرأس، وما أن تُجهز طعام الغداء وتنتهي من كافة الاعمال الموكلة اليها بكل أمانةٍ وإخلاص، حتى تبدأ رحلتها الجديدة من المعاناة في تدريس الأطفال. فها هو إبنها المدلل صاحب السبع سنين، قد أحضر حقيبة كتبه الثقيلة، وقليلة الترتيب ( المدحوشة ) بالكتب والدفاتر، وبدأ يتلقى دروسة على يد أُمه التي حفظتها المسكينة في وقت سابق من اجل أن تلقنه ما فيها كل مساء .
وتجد الطفل غير مكترث لما يدور حوله فقد يلعب بقلمه أو ألوانه أو معجونته التي يصنع منها اشكالاً لا معنى لها، ويجلس جلسته التي لا توحي بأدنى درجات الإهتمام بما تقوله الأم. وتبدأ رحلة الشقاء والضغط النفسي والعصبية وقد تصل لحد الصراخ أحيانا، ويسنفذ الدرس كل وقتها والمتبقي من طاقتها التي تلاشت طوال اليوم في العمل والتدريس.
وبعد ساعات من العذاب ( وشد الشعر) تجد الطفل قد حفظ درسه بأقل مجهود منه ودون أي تفكير، فهذه المسكينة تتولى عملية التفكير والتهميش والتذييل، وقرأة الدرس وتفسيره وتحليله وحفظه وتقديمه للطفل على طبق من ذهب، وما عليه الا أن يسترجع ما لقنته امه ساعة الامتحان ويكتبه – إن استطاع – ليحصل على العلامة المرجوة، وبعدها ينسى كل شيء ! ، فإن حصل عليها فرحت به، وإن اخفق اكلت نفسها بالندم وحزنت له وهو لا يبالي . ويستمر الوضع هكذا حتى يصبح الطفل كبيرا وتعجز الأم عن فهم دروسه جميعها فترمي فيه في عرض الحياة تلاطمه الأمواج من كل جانب وهو لا يحسن السباحة.
يقول" المثل بدلاً من ان تعطني سمكة، علمني كيف أصتاد"، وأقول لنعلَم ابنأنا كيف يدرسون قبل أن نلقنهم الدروس، لقد خسرت كثيرا قبل ان أتعلم هذا الدرس وأتمنى أن لا تقعوا في خطأي فالأم التي لا تعطي فرصة لأبناءها كي يتعلموا بأنفسهم، وتعتبر أن تلقينهم الدروس
واجب عليها مثل بقية اعمالها المنزلية؛ هي على خطأ، وقد تضرهم اكثر مما قد تنفعهم وكل العلامات التي يحصلون عليها من حقها هي وليست من حقهم . أليس كذلك؟