19-12-2015 09:53 AM
بقلم : ديما الرجبي
تأثرت كغيري بالفيديو الذي يُصور الفتاة ذات الأربعة أعوام وهي تركض نحو أمها التي لا تعلم أين هي، مرتديةً ردائها الأحمر بعد أن أمطر الطيران السادي أجواء وأرض دوما شرق دمشق ، وعندما قرأت المقاربة بين فيلم ستيفن سبيلبيرغ السينمائي ( شندلر ليست) ومشهد فتاة دوما استوقفتني رمزية المشهد التي ما حققها الأخير بفيلمه الشهير، حيث إختار نهاية الفتاة أن تموت فوق الجثث بينما هي في الحقيقة حيةً تُرزق، ورغم أننا ما زلنا لا نعلم ما اسم فتاة دوما إلا أنها تُشبه " شام" في كل تفاصيل برائتها وخوفها وحُزنها وتيهها في البحث عن وطنها " أمها" .
ولأن منعطفات السياسة والحروب الدموية الحاصلة اليوم تستهدف أبناءنا وتسقطهم شهداءاً أو عاهاتٍ أو معنفين نفسياً أو معتقلين إلى هذه اللحظة فلابد من فيلمٍ يروي هذه التفاصيل بما ان التاريخ لن يشهد على أحداثه وسيحاسبهم فقط.
قبل فترة قامت الجزيرة ببث تقرير لهيومن رايتس ووتش حول طُرق التعذيب التي يمارسها النظام الدموي على مُعتقليه وتسمرت كثيراً أمام مشهد الفتى الذي لا يتجاوز من العمر 18 عاماً ، وهو يجلس في إطار عجلة سيارة مطاطي متقوقعاً على خوفه وجزعه وهزيمته بينما يُمارس أباطرة التعذيب السادي طقوس الضرب واللطم واللسعات الكهربائية عليه، وفي لاوعيه ربما كان يعتقد بأنه إذا تحرك يمنةً أو شِمالاً قد يتجنب بضع ضرباتٍ بينما هو يتوجه اليها لضيق مساحة الهروب الممنوحة له ؟!
ومن ثم انتقل التقرير لساحةٍ يفترشها السجناء على بطونهم مُكبلةً أياديهم إلى ظهورهم شبه عراةٍ يقف كل جندي فوق غنيمته ويستمتع بالقفز على أسفل ظهره عدة مرات وهم أصحاب البساطير ذات الوزن الثقيل جداً وأجسادهم المنتفخة بالشر ساعدتهم على صنع شلل في أجساد اولائك الذين يفترشون الأرض حسرةً والماً ؟!
وكثيرةً هي المشاهد التي تُميت ولا تُحيّ بقوميتنا المُقعدة شيئاً ، "أحمد مناصرة " على سبيل الخيبات ( مش متذكر اشي) تلك اللحظات التي شاهدنا انهيار هذا الصبي جعلتنا نضحك تارةً ونشتم أخرى بينما ما زلنا نشاهد ولم ينال منا غير( يا حبيبي الله يعينه) وما أن انتهينا من المشاهدة انتقلنا إلى ضحيةٍ أخرى ، ولن ننسى "الآن الكردي" الذي سطر معنى الهجرة واللجوء هرباً من وطنٍ ما عاد وطن إلى شاطىءٍ ابتلع حلمه بالوصول إلى بر الأمان .
كثيرةً هي اللقطات التي يمنحنا اياها اعلامنا الباذخ في اعلان هزائمنا وغائبةً بل لم تُخلق بعد الخطوات التي ننتظرها .
نحن نقف على صفيحٍ مُلتهب والمستهدفون هم بناة الأوطان من فلذات أكبادنا.
( شام) تلك الفتاة التي نجت كما شاهدنا ليست الأولى التي تُدمي القلب قهراً من مشاهدتها ، سيأتي الكثير بعدها كما سبقها الأكثر وما زلنا نتسابق في الهجوم على اليمين المُتطرف وتصريحاته حول هويتنا الإسلامية ونتسابق في شحذ أقلامنا للعن والنقد والاستنكار ؟!!
شام ارتدت رداء العروبة الأحمر على كتفيها برسالةٍ تملك انبعاثاً خاصاً وكأنها تقول للعرب أجمع بأنه وإن كان المشهد ضبابي ويلتحفه لونان الأبيض والأسود فما زال هنالك من يخرج ليقول لكم نحن هنا يا صُناع السياسة والتاريخ الحديث .
والله المُستعان