20-12-2015 10:22 AM
سرايا - سرايا - في كتابها "أثر التلقي"، الصادر عن "منشورات طوب بريس" في الرباط، تقترح الباحثة المغربية، نوال بنبراهيم، الاهتمام بالمتلقّي الذي "يُخرج العمل الفني من الجمود ويفجّر حمولاته الدلالية واستراتيجياته التأويلية المتعدّدة"، وأيضاً بالأثر الجمالي الذي "يتشكّل باندماج العمل الفنّي والذات المتلقّية"، حيث يقوم التواصل، بحسب المؤلّفة، على علاقة ثنائية تتأطّر بالتفاعل الدينامي بين العمل الفنّي والتلقّي الذي يروم انفتاح التجربة الذاتية على التجربة الثنائية.
يتألّف موضوع الكتاب من وحدتي التلقّي والأثر، بوصفهما ركنين أساسيين ومترابطين، "يجسّدان فعلاً إنجازياً يُزعزع بنية النص المنغلقة إثر كل قراءة". يعتمد منهج الباحثة على أساسين: الأول، المقارنة التي تدخل في حوار ثنائي يستوعب أوجه الاختلاف والائتلاف التي تطبع وجهات النظر من منظور "جمالية التلقّي" عند ياوس و"الأثر الجمالي" عند أيزر.
أمّا الثاني، فيصب ضمن علاقتين تتقاطعان وفق فعاليات دينامية، من خلال تركيبية تدمج المفاهيم الإجرائية في علاقة خطّية تتآلف في سلسلة تركيبية، وتخضع لوحدة ترتيبية تسمح بولوج علاقة استبدالية في مرحلة تالية، وعلاقة استبدالية ترتكز على المستوى التركيبي.
"
يقف الكتاب عند علاقة التلقّي بالمسرح والفروق بين النص والعرض
"
في الفصل الأول، اعتمدت الباحثة على استكشاف المقابلة الثنائية بين ياوس في كتابه "من أجل جمالية التلقي"، وكتاب أيزر "فعل القراءة في نظرية الأثر الجمالي"، في محاولة لاستظهار نقاط الاختلاف والائتلاف بين الباحثين.
تفكّك المقاربة البنى الكبرى لاستراتيجية العملين، حتى تتمكّن من تبيّن الطابع المتجانس لبعض الرؤى المقولية والغوص في المقابلات التضادية للمفاهيم التي تتطرّق إلى ظاهرة التلقّي والأثر.
تناقش الباحثة في الفصل الثاني من العمل مسافة التلقّي، التي تُعدّ بوتقة تنصهر فيها آليات تلقّي الحس والذاكرة. يتشعّب الفصل إلى عنصرين، يقارب الأول الملامح الأولية لخصوصية الأثر التي تحرّك نشاط الحالات النفسية وتخلّف بصمات ملموسة على المستوى الفيزيولوجي.
أمّا الثاني، فيقارب الإجراءات العميقة، التي تتكفّل بعملية إعادة إنتاج جديد. توخّت الباحثة، هنا، إبراز علاقة التلقّي بالمسرح والفروق بين النصوص المكتوبة والعروض المسرحية.
يسعى العمل إلى الكشف عن علاقة التلقّي بالمسرح، من خلال تنظيراتٍ تحكُمها علاقة تشابه وتقاطع واختلاف. ففي النهاية، يصل المتلقّي إلى تقديم كتابة ثانية عن طريق توظيف آليات الخيال والإيحاء. تورد الباحثة مفهوم "المتلقّي المبدع"، وهو متلقّ واقعي وتجريبي، يعمل على نسج مجموع التوجّهات النصية، من أجل أن يخرج بإبداع جديد يحقّق ذاته فيه.
وإذا جرت العادة في الجانب الدراماتورجي، أن يُهتمّ أكثر بالنص الدرامي والكتابة الركحية والسينوغرافية، فإن الاهتمام بأثر التلقّي وبالمتلقّي خصوصاً، يعُطي التلقّي، والعملية الإبداعية برمّتها، أبعاداً جديدة.