21-12-2015 04:38 PM
بقلم : الدكتور فخري النصر
قال تعالى: {وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ }الأنفال62 , وقال تعالى :{يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ }البقرة9
الغش لغةً:ُ: نقيض النُّصح، وغشَّه يغشَّه غشًّا من باب قتل: لم يمحضه النُّصح، وأظهر له خلاف ما أضمره، وزين له غير المصلحة, والغشُّ: الغلُّ والحقد.
معنى الغش اصطلاحًا ُ: كتم كل ما لو علمه المبتاع كرهه,وقال المناوي: (الغشُّ ما يخلط من الرَّديء بالجيِّد)
انواع الغش:
1- الغش في البيع والشراء وغيرها من المعاملات المالية: كأن يَحصُل الشخص على المال بطرق محرمة، إمَّا عن طريق الكذب، أو كتمان عيب السلعة، أو البخس في ثمنها، أو التطفيف في وزنها، أو خلط الجيِّد بالرديء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على صبرة طعام فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللًا فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال أصابته السماء يا رسول الله، قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غش فليس مني.
2- غش الرَّاعي للرَّعيَّة، وغش الرَّعيَّة للرَّاعي: فغش الرعية للراعي يكون بمدحه وإطرائه بما ليس فيه؛ كأن يذكروا له أعمالًا وإنجازات لم يعملها، أو بعدم نصحه إذا رأوا منه منكرًا.
وأما غش الراعي للرعية ويقصد بالراعي الرؤساء، والحكام، والمدراء، والرجل في أهله، ويكون الغش بظلمهم، وعدم النصح لهم , وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرَّم الله عليه الجنة , وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلكم راع ومسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته.
3- الغش في النصيحة:ويكون الغش في النصيحة بعدم الصدق والإخلاص فيها وهذا من علامات المنافقين, فعن جرير بن عبد الله، قال بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم , وعن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: الدين النصيحة. قلنا: لمن؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم.
4-الغش في تعلُّم العلم: كأن يغش في الامتحانات ويحصل على شهادة لا يستحقها، وقد يتبوأ بها منصبًا، وهو ليس أهلًا لذلك المنصب، وبهذا الغش يخرج جيل جاهل، غير مؤهل لقيادة الأم .
5-الغش في عصر العولمة والتكنولوجيا في عصر العولمة الحديثة والتكنولوجيا والاتصالات الرقمية والسيطرة على العالم من خلال الثقافة العالمية والاقتصاد المعرفي الجديد يكون الغش بأشكال وطرق جهنمية لا يقدر عليها ابليس اللعين عليه لعنة الله .
في البلاد الاسلامية عادة ما يكون الغش في تغليف اي فكرة بصبغة دينية اسلامية حتى تقنع البسطاء بأتباعك, وتحاول ان تسلب العقول وتجمع الاموال وتنشر الفساد والرذيلة ,فتسيطر على العقول والجيوب وتنشر الرذيلة والافكار المتطرفة والحاقدة والارهاب التي تتدعي بانتمائها الى الدين, والدين بريء من هذه التطرفات وهذا هو الإرهاب العالمي الجديد.
عندما جاء نابليون بونابرت لاحتلال مصر لبس عمامة الازهر ليؤهمهم انه على طريقتهم وجاء لمصلحتهم فأستطاع احتلالهم وسلب ثقافتهم وخيراتهم واستعمار مصر لفترة طويلة من الزمن,وعندما يأتي رجل دين فيقنعك ان المسلمين اختلفوا وتفرقوا, هذا سني وهذا شيعي وهذا داعش وذاك انصار السنة, وذاك جيش حر, فيجب عليك القبول برأي جماعته وانهم على الحق وهم الفرقة الناجية وغيرهم كافرين او مرتدين او فاسقين او ظالين او مبتدعين ، فيقنعوا اشخاص بهذه الطريقة الخاطئة فهذا غش وخداع وكفر .
عندما يأتي فنان يغني على خشبة المسرح , ويرقص الجماهير ويسلب عقولهم, فيصف الحب على انه جنس وعلاقة شهوة بين رجل وامرأة فهذا كذب وغش وخداع .
عندما يأتي سياسي بخيس خائن عميل, ويتكلم باسم الشعب والوطن والديمقراطية والحرية, فيحرك الناس للخروج بمظاهرات ومسيرات وعصيان وتمرد, وخروج على النظام العام للحياة, فيبني الوطن بأغلاق الطرقات وهدم الاماكن العامة شتم الذات الإلهية, فهذا خطأ وغش وخداع.
وهناك غش في الافكار والثقافة هو وجود افكار خاطئة نتبناها في حياتنا وأقنعنا بها آخرون ونقنع بها طلابنا وأولادنا ,وهي أفكار خاطئة متطرفة تتسبب بمشاكل ودخول في صراعات وخصومات وعداء مع الآخرين وتتسبب بمشاكل شخصية ونفسية وصعوبات في الحياة ، ولكن هناك من يعرض هذه الافكار الخاطئة على انها افضل الاحتمالات الممكنة فهذا قمة الخداع والغش.
فكرة واحدة اخرجت سيدنا آدم من الجنة ، عندما أغراه الشيطان بفكرة الخلود في الجنة وما عليه سوى الأكل من الشجرة ، فخرج من الجنة وابعده الله ، واليوم يأتي من يقنعك بجنة عرضها السموات والارض لا مكان لك فيها بسبب خطا بسيط ارتكبته او اثما افتعلته ولا يدري ان الله غفورا رحيما ,او من يقنعك بجنة عرضها السموات والارض وتعيش خالدا فيها مع الحور العين وما عليك سوى تفجير نفسك في حفلة عرس او سوق مكتظ بالبشر فهذا قمة الخداع والغش , وهذا العن من الشيطان الرجيم.
يجب عليك ان تدرك وتعي تماما ان المشاكل المتكررة في حياتك اليومية هي نتاج افكارك الخاطئة التي تحملها في ذهنك اقنعك بها آخرين شياطين من الانس فتبرمجت عليها ، فأنت تعادي وتخاصم وتدخل في صراعات ونزاعات بناءا على الافكار الخاطئة التي تحملها في ذهنك, ومن اجل انتخابات نادي او نقابة او بلدية او برلمان تحرق الاخضر واليابس وهذ الخداع والغش بأم عينة .
لذلك يجب عليك التحرر من جميع الافكار الخاطئة التي في ذهنك ، فتقوم بمراجعة لجميع افكارك واعتقاداتك وتصحيحها بميزان صحيح عادل لا غش ولا خداع فيه .
وميزان الافكار هي الافعال وفق المفاهيم التي بنيت عليها الافعال ،ومثال ذلك الذي يدعوك للسلام وهو دائما في حروب فهذا مفاهيمه عن السلام خاطئة لذلك افعاله وتصرفاته كانت خاطئة فالعبرة بالنتائج والحكم في صحة الافكار ما مدى مطابقتها بالأفعال ، فالذي يدعوك الى الحب وهو دائما في بغضاء وشحناء مع الاخرين فهذا عمره ما حب ، لان الذي يحب بصدق عمره ما يكره احد .
الآن انت المسئول عن افكارك وتوجهاتك ، لذلك لا تقبل الافكار التي تعرض عليك بسرعة ، وكذلك لا ترفضها بسرعة ، وانما يجب عليك التثبت والتحقق من الافكار وعرضها على الميزان الصحيح ،لان الافكار لو تقبلتها واقتنعت فيها فستؤثر على حياتك كلها اما سلبا او ايجابا .
فأكتشف الحقيقة بنفسك واعتمد على ذاتك لأنه لا احد يعرف مصلحتك اكثر منك ، فلا تعادي وتخاصم من اجل فكرة او قناعة ربما تكون صحيحة وقد تكون خاطئة
فأحسن اختيار الافكار التي تناسبك والتي تحسن من حياتك وتعطيك قيمة اكبر في الحياة لتنتفع بها وتفيد الاخرين بها فالذي لا يحسن الاختيار لنفسه لا يحسنه الاختيار لغيره .