23-12-2015 10:17 AM
سرايا - سرايا - يوسف الطورة - لعل المتابع والراصد للشأن السياسي الاقتصادي الأردني يدرك ان حقبة " الميراث المأزوم " بين رئيس الوزراء عبدالله النسور من جهة ، والرفاعيان زيد الأب وسمير الابن من جهة أخرى تشهد توتر وسجال بين الحين والاخر، خرج معها همس التراشق من صالونات عمان السياسية لقاعات الندوات والمحاضرات، وأحياناً تحت القبة الزرقاء برسائل مبطنة على قلتها.
لا يزال الخطاب الأول لـ عبدالله النسور بمقولته الشهيرة لأبناء قاعدته الانتخابية في مدينة السلطة الجارة الأقرب للعاصمة عمان " احملوني إلى عمان لأحاسب اللصوص " ،عالقة في أذهان وذاكرة الأردنيين عشية الإطاحة في حكومة زيد الرفاعي ، وعودة الحياة البرلمانية مجدداً للبلاد 1989 وهي التي عطلت لسنوات ، على وقع هبة نيسان التي انطلقت شرارتها 18 نيسان من مدينة معان جنوبي العاصمة الأردنية عمان.
الحكاية من أولها ...
مع اختلاف الدوافع والظروف على كثرتها ، اثنا عشر مجلس برلماني من أصل سبعة عشر حُلت منذ بدء الحياة البرلمانية في الأردن بعد انتهاء الانتداب البريطاني وإجراء انتخابات مجلس النواب الأول في تشرين أول عام 1947، وفقاً لاستحقاق دستوري ملكي ، تعطلت معها الحياة الديمقراطية لسنوات على مرحلتين الأولى من العام 1974 وحتى العام 1984 التي فرضها قرار مؤتمر القمة العربية في الرباط ، عقبها ثلاثة مجالس استشارية وهي صيغة جديدة مؤقتة عوضاً عن مجلس النواب لسد الفراغ الدستوري بصيغة تأخذ بالاعتبار معطيات الأوضاع الاستثنائية التي تمر بها المملكة.
في الرابع من نيسان 1985 استقالت حكومة الجنرال احمد عبيدات القادم للتو من وزارة الداخلية التي جاءت به أيضاً من عمارة العبدلي " الزرقاء" بعد ان تربع على كرسي فندق ابو رسول لثمان سنوات 1974 – 1982 لأبرز جهاز أمني في البلاد ، في اليوم نفسه كلف الملك الراحل الحسين " الرفاعي زيد" بتشكيل حكومته الثانية قبل ان تطيح بها ثورة شعبية جنوب البلاد على وقع تفاقم الفساد المالي وقمع الحريات وتعذيب المعارضين التي فرضتها حقبة الأحكام العرفية السائدة آنذاك.
19 نيسان 1989 عاد الملك الراحل قاطعاً زيارة رسمية للعاصمة الأمريكية بعد تفاقم ثورة شعبية ساخطة على الحقبة العرفية وفرض المزيد الضرائب وغلاء الأسعار التي فرضها تفاقم الفساد ، دفعت المطبخ السياسي آنذاك التحول إلى الديمقراطية الشعبية عبر برلمان يضم كافة الأطياف.
وبسب غياب البرنامج الانتخابي المفترض اكتفى التربوي من مدرسة السلط القادم من رئيس مجلس إدارة يومية الشعب، ووزيراً للتخطيط في التعديل الحكومي الأول والأخير لحكومة الجنرال عبيدات "بالخطابة " لقاعدته الشعبية في مسقط رأسه وهو العارف ببواطنها بحكم قوميته العربية التي استهوته ابان دراسته في الجامعة الأمريكية بمقولته الشهيرة " احملوني الى عمان اللصوص.
في الثامن تشرين الثاني 1989 جرت الانتخابات للمجلس النيابي الحادي عشر عقب تعديل الغى المقاعد المخصصة للضفة الغربية اصبح معه اعضاء المجلس 80 عضواً النسور من ضمنهم ، و 40 عضو لمجلس الأعيان الرفاعي الأب من ضمنهم، استحوذت جماعة الإخوان على 24 مقعداً شكلت صدمة للقصر خاصة وان تقرير جهاز المخابرات الذي سبق الانتخابات استبعد حصولهم لاكثر من 14 مقعداً.
جمع خطاب العرش في 27 تشرين الثاني لافتتاح الدورة العادية الأولى بين النائب عبدالله النسور في أول عمله البرلماني ، والرفاعي زيد في عضوية مجلس الأعيان الخامس عشر تحت القبة الزرقاء ، لم يسجل فيها محاسبة الأول للثاني او حتى المطالبة بفتح ملفات كان يتوعد بفتحها وصولاً لمحاسبته ، وهي التي كان يترقب طلائعها الرأي العام الأردني بشغف، في حال استثناء مماحكات سياسية ، وتراشق التهم وسجال وصف بالخجول في صالونات عمان السياسية ذائعة الصيت آنذاك والمحصورة في طوابق عمان النخبوية.
بعد دلك اعاد التاريخ نفسه في برلمانية النسور الثانية 1993 والثالثة 2010 التي اشرفت على إدارة خارطتها حكومة الرفاعي الابن سمير ، قرر معها الرفاعي الأب اعتزال العمل السياسي بعد وصول نجله الاكبر لكرسي الدوار الرابع رئيسا لمجلس الوزراء لحكومتين في عهد الملك عبدالله الثاني برز معها مناكفات سياسية برلمانية ، لم تتجاوز حجب الثقة لحكومة سجلت اعلى ثقة في تاريخ الحكومات الأردنية بواقع 111 نائباً من أصل 119 حضروا الجلسة في حينها ، اطاحت بها احتجاجات شعبية على وقع رياح الربع العربي ، بعد 52 يوماً من تشكيلها وقبل يوم واحد من أربعينية الثقة غير المسبوقة بنسبة بلغت 92,5 %.
تجاوزت ذاكرة السياسي البرلماني الخصم القديم الجديد للرفاعيان الأب والابن ، وهو القادم من ثلاثة حقب برلمانية 1989، 1993 ، 2010 ، وعضوية مجلس الملك " الاعيان لمرتين 1997، 2009 وثمانية حقائب وزارية قُبيل تكليفه لحقبتين رئاسيتين 2011 ،2012 ، بعلاقة في ظاهرها حقبة جديدة وبما يوحي تجاوز الميراث المأزوم وفي باطنها ابقاء التراشق التهم وتوجيه نقد موجع.
خرق الهدنة المتبادل يرصد بين الحين والآخر جراء توجيه النقد لسياسية الرئيس النسور خاصة في المجال الاقتصادي الذي يصر معه بانه المنقذ والحامي للموازنة العامة من الانهيار خلال حقبته الحكومية أعاد معها جدول التفاهمات وثقة الصندوق الدولي والدول المانحة ، تجاوز معها نقد سياسة فرض المزيد من الضرائب مطالبة العين الرفاعي الابن إقالة حكومة النسور عقب قرار رفع النصف دينار لاسطوانة الغاز المنزلي ، إلى جانب توحيد ورفع رسوم ترخيص المركبات وفق سعة المحرك حالت الغضبة البرلمانية الشعبية العدول عنه بعد أيام من إقراره.
شبح الفقر والبطالة الحاضر على لسان الرفاعي يحرج وزير العمل نضال القطامين الذي يتحدث عن ارقام فلكية وفرتها وزارته للعمالة المحلية ضمن إطار حرص الحكومة على تشجيع الاستثمار ، الذي وصف الأول القانون الساري في المملكة ليس له علاقة بجذب الاستثمار جراء ارتفاع الكلف التشغيل التي تفرضها فاتورة المحروقات التي حررت أسعاره حكومة معروف البخيت التي خلفت حكومته وابقت عليه حكومة النسور ، حرص على حضورها بكافة محاضراته بجولاته المكوكية في المحافظات إضافة لحرصه على ديمومتها في العاصمة السياسية عمان.
أمس تحدث النسور بشكل مطول وسرد انجازات حكومية لم تلامس سقف قبة العبدلي ، بدا معها تململ نيابي متذمراً من تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد رغم محاولة إقناعهم أن ارتفاع المديونية في عهده إلى 24.9 مليار دينار جراء الإبقاء على دعم الخبز والمحروقات والكهرباء والمياه، لم يفته استشعار ان بعض النواب "ومن ورائهم" بدءوا استهداف حكومته انتقاماً من ضرائب ورفع للأسعار بملاءات صندوق النقد والدول المانحة.
النسور وجه انتقادا ورسالة شديدة اللهجة للنواب، وقال فيها : "ان الحكومة الحالية تستمع لآرائكم وملاحظاتكم وتأخذ بها ، لكن عليكم ان تحكموا ان كانت اصواتكم صياحاً في البرية أبان الحكومة السابقة ام لا " فسرت إشارة للرفاعي الذي لم يتأخر في الرد عليها بوصفه حكومته المنقذ خاصة وانها هي التي سجلت " العشرون دينار " اخر زيادة شملت موظفي القطاع العام والخاص والقوات المسلحة ، على هامش محاضره كان يلقيها مساء الثلاثاء في الجامعة الأردنية وجه خلالها انتقاد مباشر لحكومة النسور التي سجلت فيها ارتفاع المديونية لمستويات وصفها بالخطيرة.
بعداً عن سجال لغة الأرقام ونواياها يكسب النائب الثاني لمجلس الأعيان رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي المعركة إعلامياً من خلال وسائل إعلام مقربة من الرجل الذي عرف عنه قربه من الوسط الصحافي لدرجة أصبح مكتبه على اكتاف الدوار الثالث بمثابة بيت " حجيج "، في حين يخسر النسور المعركة خاصة وانه لا يفوت فرصة لنصب العداء للوسط الصحافي ومؤسسات صحافية يتوعدها بالمزيد من فرض قوانين تقمع للحريات.