23-12-2015 10:53 AM
سرايا - سرايا - حرص القائمون على فعاليات الدورة الأخيرة لمهرجان دبي السينمائي الدولي على تقديم تنويعات من الأفلام العربية الحديثة الإنتاج في أكثر من ركن وقسم بالمهرجان الذي أنهى دورته الثانية عشرة الأسبوع الفائت.
كان من بين أبرز الأفلام العربية المشاركة هذا العام الفيلم المعنون (3000 ليلة) للمخرجة مي المصري والذي صورت مشاهده ما بين الأردن وفلسطين وقدمت الهيئة الملكية الاردنية لطاقم الفيلم الكثير من التسهيلات والخدمات الانتاجية، وفيه سعت مخرجته الى رفد باقة أعمالها السينمائية من النوع التسجيلي، بواحد من الأفلام الروائية الطويلة، وكان لها ذلك، ولئن خرج من المهرجان بلا أي جائزة!.
في جعبة مي مصري العديد من الأفلام التسجيلية اللافتة بأساليبها الجمالية والفكرية الممتعة، والتي تنهل موضوعاتها من هموم وتطلعات افراد وجماعات بالمجتمع الفلسطيني، سواء في صمودهم داخل وطنهم أو في مخيمات اللجوء، وفي جميعها ظفرت بجوائز من المهرجانات والملتقيات السينمائية الموزعة بارجاء العالم، على غرار أفلام: (زهرة القندول) 1986، (أطفال جبل النار) 1991، (أحلام معلقة) 1992، (أحلام المنفى) 2001، وسواها كثير.
وها هي مي المصري تعود بفيلم (3000 ليلة) الذي يعتبر أول فيلم روائي طويل في مسيرتها المديدة التي بدأت منذ قرابة أربعة عقود من الزمان ساردة فيه بالصورة المدعمة بصوت الراوي جوانب من الحال الصعبة التي تواجه المرأة الفلسطينية في واحد من سجون الإحتلال الإسرائيلي من خلال إمرأة وجدت نفسها يحكم عليها بالسجن لمدة ثمانية أعوام وهي حامل لتتوالى سنوات السجن وتضع مولودها في المعتقل في ظل ظروف قاسية، خاصة بعد ان قرر زوجها الهجرة الى كندا وتركها مع طفلها الوليد تقارع السجن والسجان في حقبة عقد الثمانينات من القرن الفائت.
تنجح كاميرا المخرجة في التقاط تلك التفاصيل البسيطة في العلاقة بين السجينات العربيات اللواتي جرى الحكم عليهن بالسجن جراء كفاحهن في التحرر من الاحتلال مقارنة مع تلك السجينات الاسرائيليات اللواتي يقضين فترات سجنهن عن جرائم جنائية.
وتتالى وقائع الفيلم من وراء قضبان واسوار مثل هذا السجن الشديد الحراسة، يقابله سجن آخر لمعتقلين حيث تنجح السجينات بين حين وآخر في التواصل مع ما يدور من أحداث خارج السجن بمهارة وذكاء وفطنة سواء عبر مذياع قديم أو الحصول على بقايا صحيفة منسية في أروقة السجن.
تتعدد الهموم السياسية والوطنية للسجينات رغم ما يختلط فيما بينهن من شكوك وضغوطات تدفع احداهن في لحظة ضعف للتعاون مع ادارة السجن في محاولة لكسر اضراب السجينات احتجاجا على مجزرة صبرا وشاتيلا في لبنان مثلما يشيد الفيلم مواقف شديدة الجاذبية ذات تأثير لا يخلو من لحظات التشويق والتوتر كما في مشاهد التحقيق والمحاكمة.
مثلما تنجح مي المصري في تصوير لحظات من المواقف المليئة بالدعابة والفرح رغم تلك القتامة التي تجسدت في ظروف السجينات وقصصهن المؤلمة عما واجهنه من ظلم الاحتلال او جراء هيمنة الزوج وقسوته وعدم مبالاته، والذي يبحث عن مصالحه الشخصية غير آبه بمعاناة اسرته وآلام وطنه.
اكثر ما يحسب للفيلم وهو المأخوذ عن أحداث واقعية، ان مخرجته لم تسقط في تلك الفخاخ التي وقعت فيها افلام شبيهة تصدت لموضوع المرأة، فقد ظلت شخصية الرجل بشقيها الايجابية والسلبية تلقي بظلالها على الأحداث، مثلما تتعاطف المخرجة مع شخصية المحامية الاسرائيلية في دفاعها عن السجينات العربيات حيث تتفهم ما يقمن به من مقاومة ضد الاحتلال.
برعت المخرجة في توظيف مفردات اللغة السينمائية على نحو مليء بالاشارات البليغة سواء في تلك الاستخدامات الموفقة لتدرجات الظلال والانوار في السجن او في ذلك التكرار للاغنية المصاحبة للأحداث والتي يجري التصعيد فيها وهي المستمدة من الموروث (يا ظلام السجن خيّم..) او في ادارتها المحكمة لممثلات الفيلم من بينهن الممثلة ميساء عبدالهادي السجينة /الأم، وهناك أيضا نادرة عمران، وهيفاء الأغا، وسواهن.. حيث ظهرن جميعا في أدوار لافتة جرى الإعتناء في تصويرهن من داخل فضاء محدود، بدت فيه عين الكاميرا بارعة في التقاط حركة الشخصيات من زوايا في تكوينات بديعة، مثلما نجحت المخرجة في اثراء العمل بالكثير من المواقف المعبرة عن احاسيس ومشاعر انسانية دافئة، الا انها في بعض من مواقف الفيلم كان خطاب الفيلم فيها يتجه صوب الطرح المباشر حيناً وافتعال الأحداث حيناً آخر. الرأي