28-12-2015 10:37 AM
سرايا - سرايا - أقامت رابطة الكتاب الأردنيين، مساء يوم أمس الأول، حفل تأبين للشاعر الراحل جهاد هديب، تخلله كلمات لعدد من الأدباء، وسط حضور من المثقفين والمهتمين بالشأن الأدبي.
وألقى عيد النسور كلمة الرابطة في الحفل، وقال فيها: مساء الوفاء، خيرته الدنيا وجعاً أم رحيلاً، فاختار الرحيلْ، رغم أنفِ رحيلهِ الموجعْ وعبر هديلِ روحٍهِ المرفرفةِ بيننا، ها أنا أقف محزوناً لأشكر حضوركم باسم الهيئة الإدارية لرابطة الكتاب الأردنيين وهيئتِها العامة في ذكرى مرور أربعين يوما على وفاة زميلنا الشاعر والإعلامي جهاد هديب، لقد فقدت الرابطة منذ تأسيسها كوكبةً من أعضائها المبدعين، ورغم غيابهم ما زالوا فرسانَ ذاكرتِها، إلا أن رحيل الشاعر جهاد هديب وهو في أوج عطائه أوجع الشعر وأوجعنا. فقيدُنا ينتمي إلى شعراء الحداثةِ العربيةِ، الشعراء الذين بحثوا عن القصيدة المـُتخيّلةِ، وبثوا فيها كل ما امتلكوه من مقدرة على الابتكار و التجديد، وهو أيضا من الصحفيين الذين وضعوا نصب أعينهم تقديم المادة الثقافيةَ الغنيةَ في المضامين والجماليات، المادة التي تحيل الكلمة إلى مصباحٍ يبثّ الوعيَ ويبعث على التنوير وتمتلكُ كل مقومات الإبداع، وهو أيضا من النقاد الذين قرؤا القصيدة بوعيٍ وأعادوها إلى ألقها، وقد كان للرابطة، شرفَ احتضان الراحلَ جهاد، لسنواتٍ طويلةٍ في مقرها، لم يكن يغادر مكتبتها إلا نادرا، وكلما نأى عنها سرعان ما يعود.. وها نحن اليوم هيئة إدارية وهيئة عامة نبادله الوفاءَ بالوفاء، وستكون خطوتَنا الأولى ومن أولويّاتنا، مخاطبة وزارة الثقافة، لطباعة أعمالَه الشعريةَ الكاملة.
وقرأ الدكتور وليد السويركي، في الحفل، مجموعة من قصائد الراحل التي «كان الراحل يحبها ويختارها ونشرت في مهرجانات فرنسية، ومنها «في البدء كان الحجر» و»كحاجة الخبز إلى النار» و»ما الندم».
من جانبه قال خليل نصيرات: ترك الشاعر هديب اسمه في غفلة على تقويمنا وذهب شالعاً ورقة وحيدة وتاركاً لنا الخسارة فيما تبقى من وقت، وما من أثر لموسيقى يا جهاد، ما من أثر لصوتك ينصت لرسائلي ومكالماتي وثرثراتي المسرحية. لقد تركت صوتي مجوفاً، مضفراً بقصائدك المفتوحة على الأشجار، أينك الآن فوحدي أفتح غابة كلماتك ووحدي أعود منها أسال الطريق: لماذا الشعراء خطواتهم قصيرة؟ لماذا لا تمنحهم الغابة من عمر ما تمنحه للأشجار الدائمة الخضرة؟ لماذا لا تمنحهم الطريق سخياً بالركض والخطوة الواسعة والقصائد الدائمة المطر؟
كيف سحبتك من حضني أسراب الأناشيد التي وضعتها بين أصابعي، أي قصيدة أغوتك وتسللت من بين ذراعي يا شقيق الروح؟ هذا ما قالته «فاطمة» يا صديقي؛ تلك التي قلت لها ذات بداية «فاطمة أم البدايات عروس نبع أولى تخضر بين أصابعها الأناشيد» وها هي الآن تتهجى بالدمع الأحرف التي علمتك إياها حين أمسكت بيدك الصغيرة ووضعت بين أصابعك القلم وخطت معك ماسكة كفك أولى الكلمات، اخضرت بين أصابعك الكلمات ففتحت كف «فاطمة» ووشمته بالحب، علمتك الأحرف فأهديت لها كل الكلام، وها هي الآن تبوح بصوت الناي: اكتب يا جهاد، لكنها لم تقل: ارحل يا جهاد، فكتبت ورحلت وظل صوت «فاطمة» حتى الآن معلقاً بين الأحرف وبين أصابعك الصغيرة: اكتب يا شقيقي، اكتب يا حبيبي!
وقال غازي الذيبة: نتذكر صديقنا بعد رحيله اذ نوكد على وفائنا للجمال والشعر والثقافة وهذا من سمات الشخص الحقيقي الذي يرحب بالجمال ونامل ان تعاد طباعة اعماله ويحتفى تبه بعد ان رحل عنا بصمت ويبقى وجوده فهو افضل من يتحدث عن الجمال والشعر والعربية والانسانية. وقرأ الذيبة من شعر الراحل قصيدة «توق الغريبة الى البحر».
أما جهاد ابو حشيش فقال: كأني أراكْ، وأدركتُ أن الكلامَ يتيم بدونِ رؤاكْ، حبيبي جهاد، لم تسعْكَ البلادُ التي لا تشبهُك، ولم تتقِنِ النساءُ عدَّ ضحكاتِكَ الخافتةَ، الأصدقاءُ لم يفطنوا لما قد تُغمضُ كفَّك، وأنت الواضحُ كحجرٍ بريٍّ لم يغادرْ تربتَه منذُ وُجد، وحدَنا كنّا نقهقهُ ثمَّ تفرِدُ أصابعَك لتلتقطَ مفردةً يتيمةً وأنتَ تقول: كأنها أنا.
وكعادتِك تَمضي ولا تلتفت، لم تضعُفْ ولكنها قلةُ انتظارِك، رغبتُك في أن ترى ما يختبئُ خلفَ ستائرِ الغيبِ، ما زلتُ أتذكرُ عماد وأحمدَ العامري وبلالَ الملاح والرفاقَ الذين يذكرون معي الان برية روحِكَ وحجمَ ما يتوقدُ فيها من بحثٍ عن التفردِ وعدمِ الركونِ إلى زواريبِ المخيمِ التي اثخنَهَا القهرُ فدفنت تحتَ ظلالِ عتمتِها الكثيرَ من الأحلام، لم تضعفْ وكنا جميعاً لا نملكُ إلا ضعفَنا وأحلامَنا التي كانت تتفلَّتُ لتنعجنَ في طينِ الأزقة.
تواعدْنا ألا نضعفَ وأعلمُ أنك لا تخلفُ الوعدَ، فعندَ منعطفِ ما سنجدُك تنتظرُ أحلامَنا لنكملَ الطريقَ كما غنينا له دائما.
كثيرون سيعتقدونك غبتَ ويكتبونك وستضحكُ وأنتَ تقرأُ تقاريرَهم على طاولةِ ضابطِ الأمنِ، فلا تهمس بأسمائِهم، أنا وأنت وأحمدُ نعرفُهم جيداً، سيحاولُ بعضُهم أن يغني قصائدَك، وستضحكُ بقهقهتِك الخافتةِ وأنتَ تشيرُ للرفاقِ بما كان منه ذات زنزانةٍ أو حشرٍ.