04-01-2016 09:45 AM
بقلم : فرح ابراهيم العبدالات
دخل علينا عام جديد و كل عام و انتم جميعا بألف خير، استقبلنا هذا العام الجديد والذي وقف على عتبة الشتاء ليدخل كلاهما معاً على هذا العالَم ،عمّت أمطار الخير على بلادنا و هطلت الثلوج على بعضها فسارعنا على الفور الى الاختباء تحت الأغطية و بجانب المواقد و انعزلنا بالمدافئ على اشكالها، فأصبحنا نتكاسل حتى عن استيقاظنا من النوم و تزحزحنا عن أسرّتنا الدافئة ، منتظرين فنجان من القهوة قد جُهّز لنا خارج الغرفة لنحتسيها مع من نحب من العائلة، لكننا لو حاولنا فقط النظر من نوافذ منازلنا لنرى هذا الشتاء و البرد القارص كم يكن قاسيا على اشخاص ما وُجدَ لديهم لا الغطاء ولا الدواء، لا المواقد ولا المدافئ، فقط اتخذوا قطعة من الارض مسكنا لهم و قد نصبوا عليها خيمةً طاهرة لطالما كانت علاقتها مع الله مباشرة، في شدة زخات المطر و في أوج حر الصيف لا تعلوها طوابق ولا أحجار مزخرفة ولا شيء،فقط كما هي،يسكنها بشر بسطاء جدا لا يشكون ولا يتذمرون ،فقط يحتسبون عند الله و يسألونه الفرج في الضيق و الدفء في البرد و انقاذ ارواحهم من بحيرات كانت قد تجمعت بفعل مياه الامطار والتي ينام عليها اطفالهم و شيوخهم، ومعظمنا لم يفكر ولو للحظة بحال هؤلاء الذين قاموا بتحصيل أكبر قدر ممكن من العفة و عزة النفس التي تسمو بهم و تصيبهم بذلك الحياء الجميل والذي لطالما أغناهم عن السؤال و طلب الحاجة، معظمنا لم يفكر ولو للحظة بمساعدة بسيطة لأولئك المحتاجين لها بالاخص في ايامنا هذه ، معظمنا لم يفكر ولو للحظة بأخذ من جيوبنا دينارا واحدا فقط و منحه لطفل من أطفالهم لعله يفرح بها و يبتاع المزيد من القناعة من سوق الايمان بالقدر و تقسيم الارزاق، فما ان نأكل و نشرب و نتجول بمركباتنا لنشرب السحلب و المزيد من المشروبات الساخنة و أكل الذرة من على الطرقات في جو بارد كهذا ما ان نعود الى بيوتنا ممتلئي البطون تغمرنا السعادة و عشقنا لهذا المطر الذي اشعرنا بذلك الشعور الحميمي الجميل أثناء سماعنا لموسيقى الجاز في الطريق، ما درَينا بأن المطر والبرد و الثلج هو نعمة علينا لكنها من الممكن بان يصبح خطرا على الكثيرين ، حيث تُعرضهم تلك الظروف الجوية في كثير من الاحيان الى اصابتهم بالامراض الجسدية او حتى النفسية و المعنوية منها ، فعلى سبيل المثال، عندما ترى الأم طفلها الرضيع يصيح و يبكي من قلة الطعام و من شدة البرد بعد ان تشربت ملابسه زخات المطر و مياه الشوارع المتناثرة أثناء مرور سائقي المركبات منها بسرعة كبيرة غيرَ مبالين وجود مشاة على الارصفة ولا اشخاص يقطنون في جانب هذا الطريق ، فتبدأ هذه الأم بالخوض في معاناة و صراعات نفسية دارت ما بين حمايتها لطفلها من البرد وما بين كيفية الطريقة التي تحصل فيها على غذاء له، وغالبا ما تكن هذه الطريقة مبنية على الصدفة مدعومة ببعض من الحظ ، لعل عبور احد الاشخاص و تزويدها بقِدرٍ أو حتى بعلبة بلاستيك صغيرة من بقايا طعام كان قد التهمها بشراهة على وجبة غداء أم عشاء ما، فتكن بذلك قد أمنّت لنفسها و لأطفالها مونة ذلك اليوم بأكمله، "فشكرا على بقايا طعامكم فانها تبقينا على قيد الحياة".
ان الصدقة هي التي تطفئ غضب الله علينا، هي سلاح الانسان في دنياه و سبب نجاته من الهم و الكرب،هي التي تدفع ميتة السوء و هي ايضا الامان الأول لصيانة اموالنا و طرح البركة فيها، حتى انها تعمل على تغيير نفوسنا و تشجيعها على التصرف الحسن فقط من ابتسامة نتلقاها من محتاج جائته صدقتنا في موعدها تماما، فيكفينا دعوة منهم بالفرج و تيسيير الامور ، ان الصدقة تُخفي الخطايا و تقينا من نار جهنم، فقال الرسول (ص)" اتقوا النار ولو بشق تمرة"، حتى وانها دواء لمرضانا حسب قوله _عليه الصلاة و السلام_"داووا مرضاكم بالصدقة" ، فلتضمر قلوبنا نوايا التصدق على اشخاص قد احتاجونا و طلبونا الرحمة من عيونهم الدامعة الحمراء من شدة الرياح القارصة والذين استثنوا ألسنتهم من الامر ، ومن يرحم من في الارض يرحمه من في السماء ، فيا جماعة فلنتصدق بأي شيء من بيوتنا، من خزائننا، من مطابخنا و من جيوبنا ، فانه لوالله بكنزٌ بالنسبة اليهم ، فهل يسامحك ضميرك الانساني لحظة حرمانهم من هذا الكنز ؟ فلنتبرع بملابس قد ضاقت علينا،فلنتبرع بوجبة طعام احتسبناها لوجه الله ، فلنتبرع بأغطية،بمدافئ كهربائية ، بغاز بكاز بأي شيء،فلنتبرع يا اخوان حتى ولو بمبلغ بسيط ، فالحرمان أقل منه ، وان الحب في متناول جميع البشر، لكن الصدقة هي امتحان لقلوبهم ، فامتحن قلبك يا انسان لعلك تفز به ، ولا تكفّ ببصرك يمينا و شمالا هاربا به من مواجهة الحقيقة وواقع ذلك المحتاج ،فانك قادر على زرع ابتسامة وجوه و قلوب قد شقيَت من همومها ، فازرعها ولا تبخل بها، ولو بدينار واحد.