13-01-2016 10:03 AM
سرايا - سرايا - منذ العام 1921، ما يزال مطعم “عفيف النابلسي” صامدا في وجه التغيرات. يروي قصصا وحكايات مرت عليه عن حواري السلط العتيقة وشارع الحمام الذي يزخر بالكثير من المحال التي حافظت على تراثها.
ويقع المطعم في إحدى زوايا شارع الحمام في السلط، وتوارثه الأبناء عن الأجداد، ويعمل فيه الآن الحفيد الستيني “أبو أحمد” صالح يوسف عفيف النابلسي. ذلك المحل الذي مرّ عليه آلاف الأشخاص وتناولوا “الحمص البيتي”، الذي كان يصنعه الجد عفيف بشكل يومي وبصناعة يدوية؛ يُقبل عليه الناس منذ ساعات الصباح، لأنهم اعتادوا على الرائحة والمذاق الطيب لما يقدمه.
وبعد أن تغيرت ملامح المدينة وتم نقل بعض المؤسسات الحكومية إلى مناطق بعيدة عن المطعم، تغير نوع المنتج الذي يقدمه مطعم العفيفي، ليقتصر عمله على صناعة القطايف على مدار العام، وتزداد ذروة العمل في رمضان، ليكون أبو أحمد الوحيد الذي يقدم حلوى رمضان طوال أيام السنة، والأشهر في المملكة، بحسب الكثير من زبائن المحل.
ويسرد أبو أحمد قصة المحل، بأن جده عندما قَدِم من مدينة نابلس في فلسطين، قرر أن يجد مجالاً للعمل العام 1920، فوجد بأن الأجدى اقتصادياً آنذاك، هو أن يفتتح مطعماً يقدم الحمص البيتي الطازج يومياً، لجميع زائري شارع الحمام، الذي يضم عشرات المحلات التجارية المختلفة.
وبعد ذلك تخصص المحل بتحضير القطايف، عن طريق والده، ومن ثم استلم أبو أحمد إدارة المحل، بعد وفاة والده، واستمر في العمل حتى الوقت الحالي، وزاد اهتمامه وحبه لعمله بعد أن تقاعد من العمل الحكومي، قبل سنوات عدة، ليصبح أبو أحمد إحدى الشخصيات المعروفة في شارع الحمام، ومحله يقصده الآلاف من الزبائن.
ومن المواقف الطريفة التي يتذكرها أبو أحمد، أن أحد الأشخاص المتزوجين من فرنسية، جاء إليه في أحد الأيام لشراء القطايف، ليتفاجأ أبو أحمد بعد أيام أن هذا الرجل يبعث له صورا من فرنسا ويظهر فيها القطايف، ليخبره أنه أشتراها ليأخذها معه إلى باريس لتتناوله زوجته بعد طلب منها.
هذا الشيء جعل أبو أحمد فخوراً بعمله ومحافظا عليه، ويستيقظ مبكراً للتوجه إلى محله الصغير حجما، الكبير بما يضمه من ذكريات ومواقف كثيرة يتحدث عنها لزبائنه ولوسائل الإعلام التي تقصده بين الحين والآخر، كونه قادراً على جمع العديد من الذكريات في حكاياته اليومية.
ومن المواقف كذلك التي ما تزال تتكرر في محل العفيفي، يقول أبو أحمد إنه ونظراً للإقبال الكبير من الزبائن لشراء القطايف بكثرة وخاصة خلال شهر رمضان، فإن الزبائن يضطرون للوقوف على “الدور”، وما يصاحب ذلك من مشاكل بين الأشخاص، ويقوم هو بحلها بشكل ودي، وتنتهي بالنهاية بضحكة وموقف جميل.
ويؤكد أبو أحمد أنه حاول جاهدا أن يجعل أبناءه يجيدون تلك “الصنعة” ليحافظوا على بقاء المحل ويتوارثه أبناؤهم، كونه يعتبره جزءا من تاريخ العائلة التي امتهنت ذلك منذ قدومها من نابلس، إلا أنه لم ينجح في ذلك، واتجه أبناؤه كل إلى سبيله في الحياة.
ويقول أبو أحمد “إن الصنعة بيد الإنسان إسوارة من ذهب إن لم تنفعه لن تضره، بل فائدتها أكثر بكثير”، لذلك حاول أن يكون مجتهداً في تعلم الصنعة من أجداده ليحافظ عليها، وما يزال يحاول إقناع أحد أبنائه بها، على الرغم من أنه يستعين بعدد من العمال خلال شهر رمضان نظراً لزيادة الطلب على القطايف من قبل الزبائن من السلط وضواحيها، ومن خارج المحافظة كذلك.
ويتحدث أبو أحمد عن الأسعار التي كانت في السابق، ويقارنها بأسعار هذه الأيام، ليبرر ارتفاع الأسعار للمنتجات بأنه مرتبط بغلاء الأسعار للمواد الأولية، والضرائب التي يتم فرضها، مقارنة بالرواتب القليلة.
ويقول أبو أحمد إن سعر كيلو القطايف كان يباع في القديم بما يقارب الثلاثة قروش، بينما اليوم لا يقل عن دينار وعشرة قروش، وزادت على مراحل مختلفة، وكان جده يبيع كيلو الحمص بـ”قرش” واحد فقط، وكان يصنع يدويا وبطريقة بدائبة ومتعبة.
وعن الآلة التي كان يستخدمها الجد لصناعة الحمص، فكانت عبارة عن “برميل كبير مثقوب من جهتين تم إدخال أنبوب كبير لوضع الشعلة فيه، وكان يشتري الحطب من السكان لإشعال النار، حيث كان يشتري حمولة الحطب الكاملة بقرش واحد”.
ويقف أبو أحمد يومياً بانتظار زبائنه في محله المتواضع وإنارته الخافتة التي تبعث على الدفء، ليبادل الزبائن الأحاديث والقصص القديمة خلال بيعه للقطايف وتحديد الأوزان بالميزان القديم الذي ورثه عن جده في المحل ذاته، ليجد في هذه اللحظات نفسه وحياته في شارع الحمام، مكانه المفضل، وفيه ذكريات الطفولة والشباب.
وشارع الحمام يعد منطقة تراثية في السلط، ما يزال سكانه وأصحاب المحال التجارية فيه يحافظون على الطابع التراثي القديم فيه، ويحتفون فيه سنوياً عبر مهرجان خاص للمحافظة عليه.