14-01-2016 03:34 PM
بقلم : د عودة ابو درويش
قبل عشرين عاما , وبعد كارثة حلّت بمدينة معان فقدت فيها سبعة من شبابها العاملين في مناجم الشيدية , التابعة لشركة الفوسفات الاردنية , اللذين ابوا الاّ أن يلتحقوا بعملهم في يوم كان الغبار يملأ أفق الصحراء الممتدّة على جانبي طريق , بالمسمّى دولي , وبالفعل ضيّق شحيح , ليس له أطراف اذا اراد سائق السيّارة أن يستريح او يصلح خللا في مركبته , يضع الف احتمال أن تأتي سيّارة أو شاحنة و أو حافلة للحجّاج او المعتمرين , فتصطدم بسيّارته وتكون كارثة , وهذا ما حصل مع الرجال السبعة , عندما اصطدمت بمركبتهم حافلة لم يرى سائقها ان امامه سيارة , اشتعلت النيران فيها من قوّة الصدمة , فقضي على من فيها , لأن الطريق بلا أكتاف وأعلى من مستوى الأرض .
بعد تلك الكارثة استقبل ملتقى معان الثقافي , مجلس ادارة شركة الفوسفات , ليتدارسوا حال الطريق المؤدّية الى منجمهم , وليتذكّروا أن السبعة اللذين فقدتهم عشائر معان , هم من خيرة شبابها العاملين في منجم الشيديّة ولم يتقاعسوا يوما عن الذهاب الى العمل فيه , حتّى في الايّام ذات الجو السيء , الماطرة أو المغبّرة , مع علمهم بأنهم سيسيرون على طريق سيّء , لا يستوعب حركة الآليات عليه , وأوضح رئيس مجلس الادارة لشركة الفوسفات في ذلك الزمن , أنّ الحكومة والشركة تتدارسان توسعة الطريق , لأنهم يعلمون أن حركة الشاحنات التي تنقل الخام الى العقبة ستتزايد يوما بعد يوم , بالإضافة الى انّه طريق دولي .
واليوم , وبعد عشرين عاما , لم يزل الدرب نفسه , الذّي يعبره الآن يوميّا مئات الشاحنات التي تنقل الفوسفات , والحافلات التي تنقل الحجّاج والمعتمرين , والسيّارات الصغيرة التّي يصل بها الزائرين الى الاردن من السعوديّة , يسلكون طريقا يعلمون أنّهم سيكونون أحد ضحاياه اللذين نسمع عن الحوادث التي تحصل معهم , ونشاهد صور تلك الكوارث المؤلمة , التي تودي بحياة الكثيرين , وتبقي آخرين بعاهات دائمة , يخسرهم الوطن الذّي لم تستطع الحكومات المتعاقبة فيه لأكثر من اربعين عاما أن تجعله بمسارين , أو أن توّسّعه بما يجعله طريقا يصلح أن يكون دوليا .
فقدنا قبل أيّام أحد الشباب الواعدين , رحمه الله , بحادث على هذا الطريق خلّف مصابين أيضا , ومع ايماننا بقضاء الله وقدره , الاّ أننا نتساءل , هل الحكومة أو شركة الفوسفات و التي تربح كثيرا , غير قادرتين على توسعة الطريق وجعله بمسربين وهو الذّي يخدم الاقتصاد الوطني ولا يزيد طوله عن خمسين كيلو مترا , علّنا نتوّقف عن الترحم على شباب كان من الممكن أن لا نفقدهم .