17-01-2016 09:29 AM
بقلم : د. منتصر بركات الزعبي
ما مِنْ مَشْهَدٍ يتَّسم بهذا القدْرِ الهائلِ من العجائب والغرائب ،كالمشهد الأردني ،وما من بلد شاع فيه البصِّيمة كالأردن ،وما من بلد فيه : "الكَذِبُ ملح الرجال وعيب على الِّلي يصدق مثل الأردن ".
ما مِنْ شيءٍ غريبٍ في الأردنَّ ، وما مِنْ شيءٍ لا يمكنُ فِعْله في الأردنِّ.
في الأردنِّ يقولُ النوابُ والساسةُ عكسَ ما يفعلون ، ويفعلون عكس ما يقولون ، ويخطئ مَنْ يتصورُ أنَّ الناسَ يصدقون .وصدق الله العظيم إذ يقول :(كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُون).
الأردنُّ ساحة للتهويش والزعبطة واللطم والصراخ ،ومسرحاً مفتوحاً لممارسة كلِّ فنٍ مِن دونِ حسابٍ .
الأردنُّ البلدُ الوحيدُ في العالم ، الذي يحاول فيه النّواب ،الضحك على ذقون الشعب ، ليس لتأكيدِ هذهِ البديهيات المعروفةِ مِن قِبلِ الناس ،وإنّما لأنّ مثلَ هذا الفعِلَ يتمُّ للتّسويقِ الإعلانِيّ المقبوح .
ولا أبالغُ إذا قلتُ إنَّ مثل هذه الإعلاناتِ الساذجة لفردِ العضلاتِ ، كانتْ تنشرُ وتُبَثُّ عبر شاشة التلفزيون الحكومي ،بناء على طلب السادة النواب ،طيلة أيام مناقشة الموازنة ، وهي رشوة قدمها النواب للشعب غير مدفوعة الثمن ، ورشوة قدمها النواب دُفِعَ ثمنها مقدما للحكومة ، وهي "بيع الذمم" ، حتى يشملَهم هذا الكرم الحاتمي.
لَكَمْ تبدو تمثلية ساخرة تلك التي جرت أحداثها على مسرح البرلمان الأردني – محمص الشعب - ، حينما تبارى الخطباء باللطم والعويل والصراخ وفرد العضلات ، وإذا بهم في نهاية الحفل يمنحون الحكومة صكوك الغفران ،عندما أعلن رئيس المجلس فوز الحكومة بالثقة النيابية الساحقة الماحقة بأغلبية .
كّمْ يبدو احتفال البرلمان مضحكاُ بإنجازه هذا ؟إننا أمام نموذج مخجل ، يندى له جبين الكريم , ويضيق به صدر الحليم .
آن الأوان ليُرْفَعْ الغطاءُ عنه ،بعدما أضحى كلُ شيءٍ فيه مثارا للسخرية ،بعد كل الاستعراضات البائسة التي اشغلنا بها منذ ولادته المشوهة وبعدما اعتبر النوُّاب الشعب بزرا يُفَصِصُونَهُ في جلساتهم المسلِّية ،فهي الوسيلة الأكثر نجاعة لحماية الشعب منه بعد انحيازه التام للحكومة فماعاد يجدينا التخاطب والهرب.