17-01-2016 09:30 AM
بقلم : المحامي معتصم احمد بن طريف
لقد اعتبر الاسلام ان الاعتداء على المبعوثين والبعثات الدبلوماسية جرما يوجب العقوبة وأمراً لا يسكت عنه قال تعالى ( وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ ) سورة البقرة اية 190 ، وقوله تعالي ) يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ..) سورة المائدة اية 1 ويقول نعالى ( إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا..) سورة التوبة اية 4 . اذا ان احترام العهود مطلب شرعي ولذا لابد من وضع القوانين التي تحفظ هيبة الدولة وتحفظ البعثات الدبلوماسية وأمنها داخل الدول التي تتواجد بها البعثات الدبلوماسية ،
والسنة النبوية نصت ايضا صراحة على حماية البعثات الدبلوماسية ومنها قول رسول الله عليه الصلاة والسلام ( من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة ، وان ريحها ليوجد من مسيرة اربعين عاما ) . وقال رسول الله عليه الصلاة والسلام ( ألا من قتل نفسا معاهدة لها ذمة الله وذمة رسوله فقد اخفر ذمة الله ولا يرح رائحة الجنة ) .فهذه الاحاديث السابقة تدل على وجوب حماية البعثات الدبلوماسية حتى يؤدو مهمتهم
يطلق عادة على الهيئة التي تتولى تمثيل الدولة لدى الدولة الاخرى ( البعثة الدبلوماسية ) وتعرف الدبلوماسية بأنها علم وفن ممارسة التمثيل الخارجي بواسطة هيئة من الممثلين السياسيين تعرف بسلك الدبلوماسي . والدبلوماسي والسفير تطلق بنفس المعنى والدبلوماسي او السفير هو وكيل حكومته يمثلها لدى دولة الاخرى في جميع المفاوضات المحصنة
وما القانون الحديث وفي ضوء تشكل الدول الحديثة بهذا الشكل فقد نصت الاتفاقيات الدولية والقانون الدولي على وجب حفظ البعثات الدبلوماسية وحمايتها في اماكن عملها ، وقد حددت هذه الاتفاقيات والمعاهدات كيفية عمل هذه البعثات وكيفية حمايتها وهنا اتطرق في هذه العجالة الى اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية 1961 وهذه الاتفاقية هي اعتراف بنظام التمثيل الدبلوماسي بين الدول ، وهو تامين اداء البعثات الدبلوماسية لأعمالها على افضل وجه كممثلة لدولها .
وقد تصت المادة (22) من اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية 1961 (تتمتع مباني البعثة بالحرمة. وليس لممثلي الحكومة المعتمد لديها الحق في دخول مباني البعثة إلا إذا وافق على ذلك رئيس البعثة . على الدولة المعتمد لديها التزام خاص باتخاذ كافة الوسائل اللازمة لمنع اقتحام أو الإضرار بمباني البعثة وبصيانة أمن البعثة من الاضطراب أو من الحطّ من كرامتها.
لا يجوز أن تكون مباني البعثة أو مفروشاتها أو كل ما يوجد فيها من أشياء أو كافة وسائل النقل , عرضة للاستيلاء أو التفتيش أو الحجز لأي إجراء تنفيذ)
وقد نصت المادة ( 30) من اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية 1961(يتمتع المسكن الخاص للممثل الدبلوماسي بنفس الحرمة والحماية التي تمتع بهما مباني البعثة وتشمل الحرمة مستنداته ومراسلاته - وكذلك متعلقات الممثل الدبلوماسي).
وقد نصت الاتفاقية على انه لو نشبت حربا - لأسمح الله - لأي سبب بين الدولتين فعلى الدول ان تلتزم بحماية البعثات الدبلوماسية وان تمنحهم التسهيلات هم وعائلاتهم وان تيسر لهم سبل مغادرة البلاد بأمن وقد نصت على ذلك المادة (44) من اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية 1961 (على الدولة المعتمدة لديها - حتى في حالة قيام الحرب ان تمنح التسهيلات ان تمنح التسهيلات للأشخاص المتمتعين بالمزايا والحصانات - بخلاف من هم من رعاياها - وكذلك اعضاء اسر هؤلاء الاشخاص مهما كانت جنسياتهم - لتيسير لهم مغادرة ارضيها في اسرع وقت - ويجب عليها اذا استدعى الامر ان تضع تحت تصرفهم وسائل النقل اللازمة لأشخاصهم ولمتعلقاتهم ).
اما في حالة قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين فان الاتفاقية نصت على كيفية التعامل بين هذه الدول حيث تصت المادة (45) من اتفاقية فينا للعلاقات الدبلوماسية 1961 (في حالة قطع العلاقات الدبلوماسية بين دولتين – أو إذا ما استدعيت بعثة بصفة نهائية أو بصفة وقتية :
أ. تلتزم الدولة المعتمد لديها حتى في حالة نزاع مسلّح أن تحترم وتحمي مباني البعثة – وكذلك منقولاتها ومحفوظاتها .
ب - يجوز للدولة المعتمدة أن تعهد بحراسة مباني بعثتها وما يوجد فيها من منقولات ومحفوظات إلى دولة ثالثة توافق عليها الدولة المعتمد لديها .
جـ - يجوز للدولة المعتمدة أن تعهد بحماية مصالحها ومصالح مواطنيها إلى دولة ثالثة توافق عليها الدولة المعتمد لديها.)
اذا نظرنا الى تطبيق ايران لهذه الاتفاقيات في حماية البعثات الدبلوماسية سواء من منظور اسلامي على اعتبار ان ايران تعتبر نفسها دولة اسلامية وتطبق احكام الاسلام في تعاملها مع الدول . اذا اين هي اذا من قول الحق في هذا التطبيق كما اسلفنا سابقا في حماية سفارة المملكة العربية السعودية ؟ .
وإذا اعتبرنا ايران دولة عصرية وتحترم الاتفاقيات الدولية والمعاهدات والمواثيق الدولية التي تحكم علاقات الدول يبعضها ومن ضمنها حماية البعثات الدبلوماسية . اذا هل طبقت ايران هذه الاتفاقيات في حماية السفارة السعودية في بلادهم ؟ .
وإذا قارنا التصرف السعودي في التعامل مع الاعتداء على سفارة بلادهم فان المملكة العربية السعودية احترمت مبادئ الدين الاسلامي الحنيف في التعامل مع الايرانيون ، وطبقت المبادئ والمواثيق الدولية المتفق عليها بين الدول فكان تصرفها حضاريا حيث عملت على استدعاء السفير الايراني لدى المملكة وتسليمه مذكرة احتجاج شديدة اللهجة حملت فيها النظام الإيراني مسؤولية هذه الاعتداءات بكاملها ، وذلك انطلاقا من مسؤولية الدولة المضيفة في توفير الحماية للبعثات الأجنبية وفقا لما نصت عليه الاتفاقيات والقوانين الدولية المشددة بهذا الشأن.
كما قامت الرياض بإحاطة مجلس الأمن الدولي بتلك الاعتداءات ، وكل من مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ، وطالبت مجلس الأمن الدولي بضمان حماية البعثات الدبلوماسية ومنسوبيها وفقا للاتفاقيات والقوانين الدولية.وتواصلت المملكة مع جميع الدول التي لها علاقات معها لتوضيح التصريحات العدوانية الصادرة عن الحكومة الإيرانية ، والتي أدت إلى التحريض على انتهاك حرمة السفارة السعودية والقنصلية.
وأخيرا ان حكومة المملكة العربية السعودية بدبلوماسيتها الهادئة والحصيفة وبثوب دبلوماسي رائع اعتمدت مع الايرانيون على مقولة الخليفة معاوية بن ابي سفيان :( لو ان بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت ، اذا ارخوها شددتها وإذا شدوها ارخيتها ، وهذه من اروع نماذج الدبلوماسية التي يجب ان تحتذى ).وذلك من خلال ما قاله السفير السعودي لدى الامم المتحدة عبد الله المعلمي إن الخلافات بين البلدين قد تحل إذا توقفت إيران عن “التدخل في الشؤون الداخلية لدول أخرى ، ومن بينها شؤوننا.”
وهكذا فان الكرة في مرمى ايران في تحسين علاقتها مع الدول العربية التي ادانة هذا الاعتداء في اجتماع جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية بالقرار رقم 7988 بتاريخ 10/01/2016 .