26-10-2010 10:26 PM
عمان ترخي جدائلها فجراً وتستيقظ مبكرةَّ و يصحو على أصوات الجوامع فقرائها المتعبون ومن لا يملكون زجاج عازل للصوت و من لا يسمعون موسيقى بيتهفون تصدح في غرف نومهم و يطلبون الرزق مبكرين , وتبدأ الطرقات بالإزدحام و يختلط الجميع بالجميع و تبدأ حكاية عمانية جديدة .
يبدأ بائعي الخضار المتجولين بالصراخ في أزقة أنهكها الزمن و تأتي لنفس الإزقة سيارة الغاز و أخرى للدجاج الرخيص و الطاعن في السن و أزرق الجنبات , و ثمة بائع كعك متجول و أخر يبيع الحليب وينادي بصوت عال ( حليب بقر طازة ) وكأن البقرة في سيارته و يحلبها للتو .
تبدأ الإزقة ذاتها بالذهول و تصاب بتخمة الضوضاء و لكنها تطلب المزيد لعل بائع أخر في الجوار كان قد أستراح للتو في ظل شجرة زرعتها أمانة عمان منذ الروابدة أو ممدوح و أخر قد خبئ أغراضه في متوضأ المسجد القريب و أرخى جسمه المنهك على بلاطه البارد أو سجاده المزركش بقطع تبرع فيها صاحب بقالة في الجوار ليطهر بها رفع أسعارة ذات صيف .
أزقة في حارتنا تنام عند نوم أخر شاب كان قد وصل للتو من سهرة في مقهى زهران مع رفاق الزهر و العجمي و ثمة أخر عاد من بيت صديق بعيد كان قد قال لوالده أنني أدرس معه كيمياء المرحلة .
في تلك الإزقة مواسرجي الحارة وكهربجي الحارة ومصلح الثلاجات الذي ما دعوناه لثلاجتنا ذات خراب الا و زاد الطين بله , و فيها مصلح الراديوهات و أسمه احمد ترانزستور و فيها صاحب البك أب الذي دائماً ما كان يتحمل فقرنا ذات رحيل أو عندما نشتري طقم الكنب من الجورة , وفيها صاحب البقالة و هو دكنجي الحارة وسمّانها و هو الذي يشتري من أمهاتنا علب التوفي و الناشد عندما تأتينا في مناسبة عابرة و يستغل كثرها و يقلل سعرها و أذكر أن حجة من حارتنا قد أعادت للبقال علبة توفي بالخطأ و عندما فتحها البقال وجد بداخلها دفتر العائلة و فواتير الكهرباء و الماء و وصولات لمستشفى البشير و صورة شخصية لرب الأسرة كان قد أخذها أمام الجامع الحسيني ذات يوم .
على أسوار أزقتنا هناك ملصقات لمرشحين غابرين منذ زمن و و إعلانات لبيت للإيجار أو شيخ يعمل الحجامة و يطلب الدعاء و خرابيش لمراهقين قد بلغوا سن الحب للتو وجدران مرهقة و زركشة طبيعية كونتها أحبال الغسيل على بلكونات تطل عليها .
أرواحنا قد تعلقت بعمان و شوارعها و سكنّت قلوبنا و تعشعشت في ذاكرتنا إنها المدينة الأجمل و الأروع و الأحلى ولا زالت إزقتها تنادي أن يا رفاق الضوضاء لا تبتعدوا عن المكان حيث أن ضوضائكم صفاء الروح وعبق المكان و قربكم حياة .
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
26-10-2010 10:26 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |