27-01-2016 10:11 AM
بقلم : عـمـر الـداوديــة
تتابع الطفلة الصغيرة بحنق وألم شديدين مداهمة جنود الإحتلال لمنزل عائلتها في رام الله خلال الإنتفاضة الفلسطينية الثانية.. تحول بيتها لثكنة عسكرية ليومين متتاليين.. غادروا.. ثم عادوا.. مداهمات.. ملاحقات.. طرق باب شديد في ساعات متأخرة من الليل.. متى ينتهي كل هذا يا الله ؟! متى أكبر لأخبرهم؟! تتساءل ببراءة.. حيث أنها قررت في ليالي الخوف تلك أن تحمل رسالتها ورسالة من حولها إلى الخارج.. المدن والقرى والشوارع والأزقة.. بشحوبها وصمودها.. بحزنها وفرحها.. بعاداتها وثقافاتها.. ستنقلها للخارج.. ستوثق كل ذلك.. حتى الخال أبو سمير.. بائع الكعك العتيق.. كان في بالها.. وأصرت على أن يعرفه الناس أيضاً!
***
تلك الطفلة الصغيرة كبرت.. وكانت ما أرادت.. ووثـقت على شاشة التلفاز "الحكاية الفلسطينية" من شمال البلاد الى جنوبها.. كما لم يفعل غيرها.. عرفنا من خلالها أن يافا كانت تسمى "أم الغريب" لأنها كانت تستقبل المهاجرين والغرباء بصدر رحب.. ومعها تجولنا في حي العجمي العتيق الذي يحاول المحافظة على عروبته والتمسك بأصالته في ذات المدينة.. ومضينا يوماً الى البلدة القديمة في القدس.. ودخلنا برفقتها الى محل بطول 12 متراً رفض صاحبه بيعه بملايين الدولارات.. كما غيره من أصحاب المحلات المجاورة.. ومررنا بعدها الى أبي سمير.. الفخور بكعكه المقدسي الفريد.. وتمنيت حينها كما تمنى جميع المشاهدين تذوقه ! واخذتنا يوماً في تقرير عاطفي لـ عكا.. المدينة الواقفة بشجاعة على البحر.. متباهية بسورها الصلد.. واسمتعنا الى شجون صيادي عكا وهم يدنـدنـون : "لو شربوا البحر.. أو هدوا السور.. لو سرقوا الهوا.. أو خنقوا النور.. ما ببيعا لعكا.. بالدنيا كلها..".
طفلة الأمس الحالمة.. هي اليوم صاحبة الإطلالة المنتظرة.. مراسلة قناة رؤيا.. الجميلة.. زيـنـة صندوقــة، والتي قدمت لنا من فلسطين ما يزيد على الـ 100 تقرير منذ ظهورها على المشاهدين في نهاية عام 2013 عبر فقرتها في برنامج "حلوة يا دنيا" الذي يبث صباح كل يوم جمعة.
في البداية.. ولأصدقكِ القول يا زينة.. لم أتابع التقارير بانتباه.. فقد كنت مأخوذاً بحضورك الإستثائي على الشاشة.. تلك العفوية والإبتسامة الأخآذة.. ذاك النشاط والإندفاع والحرقة في نقل رسالتك.. أتسمر أمام التلفاز ولا أغادر عندما تظهرين.. جمال ممزوج بالقليل من الحزن.. والكثير من الأمل.. حتى الأناقة كانت محترمة للمكان وللمشهد.. ملاكاً ومنادياً كنتِ يا زينة.. في آن واحد.. تطرقين الأبواب وتذّكرين الراحلين والهاربين والمهاجرين بـ مدنهم.. وأن لا ينسوا يوماً أن الأرض تنتظر عودتهم !
زينة صندوقة تحمل رسالة صحافية وتوثيقية مختلفة.. وفي فترة وجيزة قامت بإنجاز إعلامي هائل عبر قناة رؤيا.. قربتنا أكثر لــفلسطين..عرفنا فيها أدق التفاصيل عن شعبنا المرابط هناك.. بحلوها ومرها!.. وهذا ما كان ينقصنا.. خاصة نحن الجيل الشاب.
وهل هناك أجمل وأسمى من هكذا رسالة إعلامية ؟!
لك يا زيـنـة من إسمكِ نصيب..