31-01-2016 12:05 PM
بقلم : علي فريحات
اذا اكتفينا بهذه الاعمال الاستعمارية والاجرامية التي قامت بها امريكا في الوطن العربي وثمة غيرها كثير فان الحقيقة التي تفرض نفسها بقوة وبلا ادنى غموض هي ان امريكا دولة استعمارية هي الاكثر قسوة وشراسة واهانة للانسانية وللقانون الدولي ولم تسبقها في هذا المجال اي دولة حديثة اخرى. لذلك فان هذه الطبيعة لامريكا لا تسمح لها بان تدعم حركات تحرر او انتفاضات وطنية او ثورات حقيقية، بل هي مصممة (جينيا)، اي ان نظاامها الاقتصادي – الاجتماعي الراسمالي يحدد خياراتها وليس حكامها او نوازعهم، لتكون دولة غزو واستعمار ومعاداة الحرية والتحرر. في ضوء ما تقدم ينبغي فهم الوضع العربي الحالي.
تكتيكات امريكا الاستخبارية
ربما يتساءل البعض اذا كانت امريكا هي من اقام الانظمة او دعمها وضمن بقاءها لم تريد اسقاطها الان وتنظم حملات مدروسة لتحقيق ذلك؟ للاجابة لابد من تذكر ما يلي :
ان الانظمة العربية بغالبيتها قامت على الفساد والديكتاتورية والاستغلال ومارست كل ذلك لمدد وصلت اربعة عقود كانت مزدحمة بالقهر والبطش والنهب وافقار الشعب، لذلك تراكمت احقاد متجذرة وغضب عميق عليها وعزلت عن الشعب ولم يعد لديها اي صلة حقيقية بابناء الشعب وصار اسقاطها امنية كبيرة لملايين الناس.
هذه الانظمة قامت بغاليتها على دعم غربي امريكي او اوربي او كلاهما، فكان فسادها واستغلالها للجماهير مدعوما مباشرا من امريكا. لذلك فان عصر هذه الانظمة كان بحق عصر مناهضة امريكا للديمقراطية ودعم انظمة مستبدة بعضها ينتمي للقرون الوسطى وفاسدة بلا حدود، ولولا الدعم الغربي لها لتمكنت الجماهير من اسقاطها منذ ان كشفت طبيعتها الفاسدة والمستبدة.
كانت امريكا هي التي تشجع الاستبداد والديكتاتورية في الوطن العربي وتحارب كل اتجاه ديمقراطي لانه كان احد ضمانات لوصول فئات وطنية للسطة تضع حدا للاستعمار ونهبه للثروات العربية.
4- وبعد ان مارست هذه الانظمة ابشع انواع الاستغلال والقهر والديكتاتورية والتبعية للاستعمار عزلت عن الشعب كليا واصبحت مكروهة بلا حدود، ومع ذلك واصلت امريكا دعمها، ولكن حينما بدأت امريكا تنفذ صفحة جديدة من الستراتيجية التي تقوم على فكرة مضللة وهي (نشر الديمقراطية وحماية حقوق الانسان) في العالم عقب انهيار النظم الشيوعية في اوربا الشرقية، وجدت امريكا انها امام تناقض فاضح لا يسمح لها بمواصلة ادعاء العمل من اجل الديمقراطية وحماية حقوق الانسان في حين انها تدعم انظمة ديكتاتورية وفاسدة، فتحولت الانظمة العربية المقصودة الى عبء على امريكا يقلل من قدرتها على نشر نفوذها بعد ان كانت رصيدا لها يخدمها بحماية الكيان الصهيوني ومنع قيام حكم شعبي تقدمي ووطني. بالاضافة لذلك تبلورت ظاهرة اخذت تضعف الغرب عموما وهي ما سمي ب(ازدواجية المعايير) الغربية عامة والامريكية خاصة، ولاجل حل هذه الاشكالية حاولت امريكا في العشر سنوات الماضية اجراء اصلاحات في النظم العربية تخفف من فسادها واستبدادها لكن هذه النظم نشأت وعاشت على الاستبداد والفساد لذلك لم تستطيع تحقيق اي اصلاح حتى ولو كان ثانويا، فقررت امريكا القاء هذه الانظمة في سلة الزبالة والقيام بعمليات تغيير درامي مرسوم يضمن تحقيق ما يلي :
أ - التخلص من الفكرة السلبية عن دعم امريكا لانظمة فاسدة ومستبدة وتحميلها كل اثام امريكا وسياساتها.
ب- تنفيس الغضب الشعبي المتراكم لمدة تزيد على اربعة عقود، عبر اطلاق موجات تغيير تستغل حقد ورفض الجماهير للنظم، وبذلك تتخلص امريكا من المتراكم من الغضب الخطير عليها والذي احتاج لعقود ليتشكل مما يجعل اعادة الغضب للتراكم تحتاج لعقود اخرى، وتلك هي فرصة امريكا لممارسة واحدا من اهم اساليبها وهو المسمى ب (سرقة الوقت). في هذه الحالة فان امريكا تكون قد نجحت في تحقيق هدفين خطيرين : الهدف الاول هو استبعاد التغيير الحقيقي الذي كان ممكنا ان يقوم ليس فقط باسقاط الانظمة بل ايضا باقامة انظمة حكم وطنية حقيقية بديلة تمثل تطلعات الجماهير بعد القضاء على النظم الفاسدة واقتلاعها جذريا الامر الذي يهدد بالقضاء على المصالح الاستعمارية في الوطن العربي، والهدف الثاني هو استبعاد اعادة انتاج الانتفاضات لفترة طويلة بعد تنفيس الغضب لان تراكم الغضب مجددا يحتاج لعقود طويلة وفي هذه الفترة يتم تنصيب انظمة ليست مختلفة جذريا عن النظام الذي اسقط وتحتاج لفترة لكشفها واثبات انها تشبه النظام السابق، وهذه الفترة هي التي تحتاجها امريكا والكيان الصهيوني لتنفيذ مخططاتهما، وذلك هو مفهوم سرقة الوقت.
ماذا يقتضي ذلك من امريكا؟ كانت الضرورة تفرض تحقيق انسجام ولو شكلي بين شعاراتها وممارساتها وانهاء الازدواجية، على الاقل في موضوع الديمقراطية وحقوق الانسان، وتلك الضرورة تفرض عليها القيام بضربات استباقية للنظم العربية تتمثل في اسقاط تلك النظم ليس بانقلابات عسكرية مكشوفة تتناقض مع مفهوم الديمقراطية بل بتبني شعارات حبيبة على قلوب الجماهير مثل انتفاضات شعبية حقيقية تقوم ضد النظم لاجل ضمان الاستفادة القصوى من الرفض الجماهيري لتلك النظم وركوب موجة التغيير وتحريك الجماهير في اطار مسيطر عليه من قبل المخابرات الامريكية بواسطة عناصر دربتها واعدتها للقيام بتحركات شعبية تقوم على رفض الانظمة والدعوة لاسقاطها.
لقد ركبت امريكا موجة الرغبة في التغيير واستغلتها وحددت شعاراتها واعدت قيادات لها، عن طريق تربية نفسية وثقافية استمرت اكثر من 10 اعوام عبر الانترنيت وشبكاته المتعددة مثل الفيس بوك وتويتر وغيرهما ومارست تأثيرات نفسيا كبيرا عبر استغلال فشل الاحزاب السياسية العربية، سواء نتيجة غياب الهوية العقائدية والنظرة الستراتيجية لها او نتيجة التعجيز المنظم لها عن طريق احاطتها بتحديات ومشاكل كبيرة وكثيرة تمنعها من تحقيق انجازات حقيقية في مجالي الاقتصاد والديمقراطية وهما اهم ما يتعلق بمطاليب الجماهير، فكان طبيعيا ان تتراجع الاحزاب العربية خصوصا الوطنية وتعزل عن الكثير من جماهيرها، كما كان طبيعيا وكتحصيل حاصل ان تبدأ العناصر الشابة التي خضعت لتأثيرات ليبرالية متعمدة بالبحث عن بديل للقوى السياسية التقليدية ثورية ووطنية او عميلة.