03-02-2016 12:44 PM
بقلم :
يقولون : بأن السفر يسفر عن اخلاق الرجال ؛ وهذا القول فيه جوانب كثيرة من الصدق ؛ فالسفر وبما يتخلله من مشقة وتعب ومفاجئات ، يمثل إختبارا” حقيقيا” لصبر وصدق وإيثار وحلم وعفة وطهارة وشجاعة الإنسان المسافر ...
كما أن ابتعاد المسافر عن عيون المعارف والأقارب وغياب الرقابة المجتمعه عليه ؛ تمثل إختبارا” حقيقيا” لمدى قناعة الإنسان المسافر بموروثه الأخلاقي الذي تشربه ودرج عليه ، وهي مقياس آخر لمدى ثباته على صفاته وعلى أخلاقه التي اعتاد وتربى عليها ، فكثير من المسافرين يتجردون من القيم والعادات والثوابت الموروثة ، ويبتعدون عن الأخلاق والفضائل عند غياب رقابة المجتمع والأهل عنهم ...
عندما يظهر إنسان معين كرمه بين الناس الكرماء والأسخياء ، فهذا خلق حسن وجميل ، ولكن الأختبار الحقيقي لجود ولأصالة هذا الإنسان تكون لحظة شيوع آفة البخل وانتشار الحرص والشح ، وعندما غياب الناس الكرماء عن المجتمعات ...
يقول الشاعر ابن ابي مرة المكي :
ألم تعلمي يا عمرك الله أنني كريم على حين الكرام قليل
وأن يظهر شخص معين شجاعته وبطولته وهو برفقة الشجعان والأبطال فهذا شيء حسن وجميل ، ولكن الأختبار الحقيقي لشجاعة ولبطولة هذا الإنسان تتجلى عندما يتقاعس الجميع عن نصرة الحق وعندما يجبن غالبية الناس ...
يقول الشاعر طرفة بن العبد :
إذا القوم قالوا من فتى خلت أنني عنيت فلم أكسل ولم أتبلد
إن الاختبار الحقيقي والمقياس الجدي لمدى الإلتزام بالثوابت والأخلاق يظهر لحظة ابتعاد غالبية الناس عنها ، فالشخص العظيم هو الذي يتشبث بمبادءه وبأخلاقه عند شيوع الفساد ولحظة انعدام الأخلاق في المجتمعات ... وفي مثل هذه الحالة تتجلى البطولة وتسمو الأنفس الرفيعة وتختبر الأخلاق ...
وسأذكر مثالا لنوضيح هذا الأمر :
قبل عدة سنوات ونتيجة لظروف معينة ، انتشرت عادة الغش العلني في امتحانات الثانوية العامة الأردنية ؛ وللأسف الشديد ؛ شاع هذا السلوك المدمر للمجتمعات عند الغالبية الساحقة من طلابنا ، وبدا للكثيرين من الطلاب والأهل بأنه البطولة والشجاعة ، ومع مرور الوقت بدا الغش وكأنه حق للطلاب ، وبأنه لا يقبل الجدل ولا النقاش ... وفي مثل هذا الجو المنفلت والبعيد عن النقد والرقابة والغرابة ؛ وجدت فئة ملتزمة من طلابنا الأردنيين ، وهذه الفئة ابتعدت عن ممارسة الغش نهائيا” ؛ وآثرت الإعتماد على نفسها ؛ والشيء الذي منعها عن ممارسة الغش هو خوفها من خالقها الذي يرقبها ، بالإصافة إلى ثوابتها الدينية والأخلاقية التي درجت عليها ...
وفي مثل هذه الحالة تجلت العظمة الحقيقية للإنسان ؛ وهذا هو الإختبار الفعلي للقناعات وللقيم وللمباديء والمثل ... يقول صلى الله عليه وسلم : لا تكونوا إمعة ، تقولون إن أحسن الناس أحسنا ، وإن ظلموا ظلمنا ، ولكن وطنوا أنفسكم ، إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا ...