11-02-2016 10:41 AM
سرايا - سرايا - تاخذ السينما نصيبها من حصة احتفالات المملكة بالمئوية الاولى للثورة العربية الكبرى، سواء من خلال ما جسدته تلك الاعمال القليلة المحدودة الامكانات او عبر ما تناولته السينما العالمية من احداث ووقائع وشخصيات تجاه هذا الحدث التاريخي.
من الثابت والمعلوم ان السينما الاردنية ظلت انتاجاتها محصورة بعدد ضئيل من الافلام التسجيلية والروائية الا ان هاجس التاريخ والتوثيق للثورة العربية الكبرى وما شكلته من تحولات على حياة الاردنيين والعرب قد القى بظلاله على اهتمامات كثير من صناع الافلام الذين كانوا يحققون افلامهم ضمن انجازات قسم السينما الذي كان يتبع وزارة الاعلام في عقد الستينات قبل ان يتحول لاحقا الى مؤسسة التلفزيون الأردني.
وفي تلك الافلام بانت حقبة الحرب العالمية الاولى، وتأثيراتها على المنطقة خصوصا مع قيام الثورة العربية الكبرى ومعاركها الحاسمة، التي جرت على الاراضي الاردنية وفي الحجاز، استطاعت العين السينمائية التقاط بعضا من وقائعها بفعل تنامي عمل الجريدة السينمائية الناطقة التي كان يقبل عليها الكثير من الجهات والمؤسسات الغربية لمتابعة احوال العالم في كثير من ارجاء العالم .
وكان من بين الافلام الاردنية التسجيلية التي استفادت من تلك الوثائق النادرة لمشاهد حية من وقائع واخبار الثورة المخرج عدنان الرمحي الذي نجح في تضمين فيلمه التسجيلي المعنون «الثورة العربية الكبرى» الذي انجزه لحساب قسم السينما بالتلفزيون الاردني، حيث بدت فيه للمرة الاولى مشاهد توثيقية لزعماء الثورة من الامراء والاشراف الهاشميين وهم بصحبة رجالات العرب وابناء عشائر الاردن، وغدا العمل مصدرا خصبا للعديد من الافلام الاردنية اللاحقة التي عرجت على الثورة العربية الكبرى كمحطة سياسية رئيسية في حياة الاردنيين ونهضتهم كما في فيلم حمل ذات العنوان «الثولرة العربية الكبرى» اخرجه الاعلامي اللبناني فؤاد نعيم المقيم بالاردن في حقبة السبعينات من القرن الفائت وهناك ايضا فيلم تسجيلي آخر عن مؤسس المملكة المغفور له الملك عبدالله الاول حققه المخرج احسان رمزي.
تتالت الاعمال السينمائية الاردنية التي كانت تنجز وتصور من قبل شركات الانتاج الخاصة او من خلال مركز الانتاج التلفزيون الاردني والبعض منها اثار اصداء واسعة في اتكائها على مضامين وموضوعات وقضايا وطنية تستوحي من مباديء الثورة العربية الكبرى ومسيرتها في تخوم وصحاري ووديان مناخات درامية وجمالية كما في افلام: «الجبل» لعروة زريقات، نزهة على الرمال» لنجدة انزور الذي كتب قصته محمود الزيودي و»الزهرة البرية» لهايل العجلوني، و»سيدي رباح « لموفق رفيق الصلاح، الى ان توجت هذه الاشتغالات بالتحفة الروائية السينمائية المسماة «ذيب» للمخرج ناجي ابو نوار الذي استطاع الامساك بأجواء وان يقدم فيها حكاية عذبة ساحرة مكنته ان يسيرعلى السجادة الحمراء جنبا الى جنب مع قامات من صناع الفن السابع وان يتنافس معهم في معظم مهرجانات السينما العربية والعالمية.
لقد جاءت دراما «ذيب» كانها نحت في صخور وادي رم والبترا ، تحمل سمات الصحراء بالبرودة والحرارة والخواء وكهوف الحيوانات الكاسرة الا انها تظل امينة لحقيقة قيم وشجاعة وصدق واصالة قاطنيها البسطاء الطامحين بالانعتاق والتحرر من الظلم والجهل وكل ذلك على خطى رحلة محفوفة بالمخاطر فرسانها طفل وشقيقه الشاب يشيعان ضابط بريطاني الى واحدة من الاستحكامات التي يحرسها رجالات الثورة العربية الكبرى ، لكن قبل بلوغ المسافة يحدث ما ليس في الحسبان من مفاجآت وصدامات وتحولات بالمواقف كلها تقود الى زرع بذرة حياة جديدة في هذه البيئة الصعبة.
جاءت هذه التجربة الأردنية وليدة صعوبات إنتاجية حيث استغرق إنجازه بعض الوقت وعلى رغم أصرار صناعه على التصوير باجواء من الطبيعة للحصول على أكبر قدر من المناخ الواقعي الذي شهد احداث الثورة العربية الكبرى وايضا عدم اللجوء الى النجوم والاستعاضة عنهم باناس من اهالي المنطقة العاديين فضلا عن استخدامهم لكاميرا 16 ملم عوضا عن الكاميرا الرقمية كل هذا منحه الألق والدفء والموضوعية والقدرة على الاقناع.
على الصعيد العالمي، استطاع الفيلم العالمي «لورنس العرب» للمخرج البريطاني الشهير ديفيد لين ان يضع رواية الطرف الآخر لوقائع الثورة العربية الكبرى وتصويرها داخل الاراضي الاردنية في وادي رم والبادية الاردنية حيث قدم للسينما العالمية واحدا من أشهر الأفلام التي صورت جزءاً من تاريخ العرب، صحيح ان لين صور هذه الحقبة التاريخية من خلال عين مواطنه لورانس في شكل جعل الصورة تختلف عما كانت عليه ليس صورة لورانس وحده، بل صورة التاريخ العربي في القرن العشرين.
ومع ان فيلم لين لم يكن أميناً لتاريخ لورانس كما يجب، فانه لا يستنكف عن إدانة المستعمرين والمتسلطين حيث اسعفته ضخامة الإنتاج والمواقف الملحمية التي يتصادم فيها الثوار مع العثمانيين في تقديم عمل بصري جذاب اسهم على تغيير الذهنيات الغربية وإزالة الأفكار والأحكام المسبقة تجاه بعض من اجزاء الشخصية العربية ابان تلك الحقبة التي ظهر فيها الفيلم العام 1964.
عن فيلم «لورانس العرب» يقول عمر الشريف حسب ما اورده الناقد اللبناني ابراهيم العريس في واحد من مقالاته عن سينما المخرج ديفيد لين: إن تصوير الفيلم استغرق عشرين شهراً قضيناها هناك في الصحراء مرتدين الثياب نفسها كل يوم، وكان دافيد لين شديد العناية بكل لقطة وبأن نبقي على مظهرنا، بيتر أوتول وأنا، كما هو، وكان يحدث أحياناً أن ننتظر ساعات يوم بكامله حتى تمر غيمة عابرة أو تعود(...). على العموم أعتقد بأن العثور على أحد كي يموّل «لورنس العرب» كان أشبه بمعجزة، ذلك أن الفيلم، الى صعوبته، احتاج أموالاً طائلة تضاهي 200 مليون دولار بأسعار ايامنا هذه. والأدهى من هذا انه كان فيلماً من دون نجوم. فمعظمنا كان يخوض هنا تجربته الأولى. صحيح كان معنا أليك غينيس وأنطوني كوين لكن دوريهما كانا ثانويين. ثم ان الفيلم كان عن عرب .. لقد كان رهاناً كبيراً خصوصاً من جانب دافيد لين الذي كان خارجاً لتوه من مغامرة أكثر صعوبة في فيلم «جسر على نهر كواي».
ما تزال حقبة الثورة العربية الكبرى ومآلاتها تنطوي على الكثير من القصص والحكايات والموضوعات التي تفيض بالتفاصيل الدقيقة العالقة بالذاكرة الإنسانية.