بقلم : أ. معاذ منصور الحميمات
دائماً ما اشعر باستغراب يتبعه علامة تعجب يصطف بجانبها علامة استفهام من كل شخص يحزم امتعته واضعاً وطنه في حقيبة يده مغادراً اياه باحثاً عن فرصةٍ ، نجاحٍ ، تميزٍ ، امانٍ ، استقرارٍ ، لم يحظى به في وطنه ، لا بل وطنه لم يسمح له بأن يحظى به .
وما ان يغادر الشخص وطنه تعتريه موجة الغربة فتجتاحه نيران الاشتياق لوطن قرر إجهاضه بعملية قيطولية كنت اتمنى ان تكون قيصرية ، فالوطن لا يمتلك عاطفة الامومة لذلك هو بارعاً في فن الاجهاض .
على الرغم من كل الاجهاضات المتكررة التي تُفضي الى الغربة ، إلا ان الشخص الذي يسلك طريق التغرب ترتفع لديه نسبة افراز هرمون الاستروجين ، فيصبح حساساً لدرجة تَغنيهِ بالوطن ، اما بقصيدة ، او خاطرة ، او رواية ، وكأن حب الوطن لا يولد إلا من جوف الغربة .
فبالغربة يزداد الانسان حباً ووطنيةً واخلاصاً لوطنه ، وهذا ما يجعلني اقف على اعتاب المتغربين مستغرباً امام فكرة تربينا عليها تلزمنا بأن نكون اوفياء للوطن ، حتى وان لم يكن الوطن وفياً لنا ، فالوطن لا يمكن لومه فهو مسكين لم يجد من يربيه على الوفاء .
والغربة سواء كانت غربة هربٍ من واقع مرير ، ام غربة حب ، ام غربة حرب ، ام غربة ارهاب ، ام غربة ربيع يُدعى بأنه عربي ، فأنها لا تخرج عن نطاقين آلا وهما المكان والمسافة.
فغربة المكان تشعر بها وانت بقلب وطنك في قعر دارك عندما تطرق كل الابواب باحثاً عن ذاتك ، فتجدها موصدةً امامك على الرغم من ان ذات الابواب تُفتح اتوماتيكياً امام من هم ادنى منك علماً وابداعاً وتميزاً لسبب مجهول - بل لسبب ندعي بأنه مجهول لنحافظ على جمالية عدالة الوطن في اذهاننا - فبهذه الحالة تفقد ذاتك وقيمتك التي سلبها منك وطنك .
اما غربة المسافة تشعر بها عندما تغادر وطنك باحثاً عن ذاتك وقيمتك التي سلبتك اياه وطنيتك ، وفي كلتا الحالتين تبقى تحاول وتحاول لتصل الى ما تريد لتحقيق هدف وحيد وهو خدمة الوطن والارتقاء به ، فالوطن نعشقه ونعشقه وسنبقى نعشقه .
وفي النهاية لا يمكنني القول إلا ان الوطن كله ايجابيات وفيه سلبية واحدة ، الا ان سلبيته تطغى على ايجابياته ، وأود ان اوجه سؤالي الاول لا بل الاخير ، بما ان الغربة تشعل بنا نيران الحنين للوطن هل الوطن يحتاج الى غربة حتى يشعر بالحنين لنا ؟ اريد اجابة لا تزيد عن سطرين تليق بعلاقة حب بين وطنٍ ومواطن