21-02-2016 09:14 AM
سرايا - سرايا - فتحت شهادة إعلاميَيْن مقربَيْن من الكاتب الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل، حول امتناعه عن تناول الدواء، ما عجل بموته، الأربعاء 17 شباط/ فبراير الجاري، باب التساؤل حول الأسباب التي دفعت "هيكل" إلى ذلك؟
كما ثار التساؤل حول صحة ما تردد عن إهانة وجهها هيكل لرئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي، تضاف إلى هجومه الحاد عليه في أيامه الأخيرة، على خلفية إعلانه الرفض الحاد للجنازة العسكرية، التي كان السيسي ينوي تنظيمها له حال موته.
آخر اليوم الطويل
أثار الصديق المقرب لهيكل، الإعلامي عبدالله السناوي -في مقاله بجريدة "الشروق"، السبت، تحت عنوان: "آخر اليوم الطويل"- علامة استفهام كبيرة حول السبب الحقيقي لموت هيكل؛ إذ كشف النقاب عن أن مرض موته لم يستغرق سوى أقل من أربعين يوما، واصفا "رحلة المرض الأخير"، بأنها "قصيرة ومتسارعة".
وأوضح أنها بدأت في الأسبوع الثاني من شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، بإصابته بنزلة برد، لدى ذهابه إلى مزرعته في "برقاش" على أطراف محافظة الجيزة، لكنها تطورت إلى أزمة في الرئة، وفي المرات الثلاث (الإصابة بنزلة البرد، ثم الإصابة بأزمة رئوية، ثم إصابته بالفشل الكلوي) رفض هيكل البقاء في أي مستشفى، وطلب سرعة العودة للمنزل.
وأكد السناوي أن "هيكل" توقف (بإرادته) عن تناول الدواء وغسل الكلى"، مؤكدا أن هيكل "أراد أن يواجه قدره بلا وسائل اصطناعية للحياة".
وأردف بأن هيكل "لم يكن يريد أن تكون نهايته رجلا يثير الشفقة على ما وصل إليه بأثر تقدم العمر وأمراضه"، مستطردا: "بدا (هيكل) أقرب إلى تفكير صديقه "فرانسوا ميتران"، الرئيس الفرنسي الاشتراكي، الذي حكم بلاده أربعة عشر عاما متصلة.. رجلا يقرر الرحيل عندما تعجز طاقته، وتفتر همته"، حسبما قال.
وتابع السناوي: "بحسب رواية منقولة عن أمين عام رئاسة الجمهورية على عهد الرئيس الأسبق (المخلوع) "حسني مبارك"، فإن "ميتران" في زيارته الأخيرة لأسوان -التي اعتاد القدوم إليها في احتفالات رأس السنة- استقل سيارته، وذهب حيث يتصل الأفق بالصحراء، نظر أمامه طويلا، وعندما عاد كان قد قرر الامتناع عن تناول أي أدوية، وأن تكون النهاية الآن"، وفق قوله.
والأمر هكذا، أكد السناوي أن "هيكل" كان "يرى أن الحياة يوم، وقد كان يومه طويلا"، وفق تعبيره.
مقبرتا داري العودة والبقاء
وكشف السناوي في مقاله أيضا أن "هيكل" أعد لموته مقبرتين، الأولى في مطلع السبعينيات، بعد رحيل "جمال عبدالناصر" في الثانية والخمسين من عمره؛ إذ خطر له مع صديقيه المقربين: "سيد مرعي"، الذي تولى رئاسة مجلس الشعب، و"عزيز صدقي"، الذي صعد لمنصب رئيس الوزراء، أن يسارعوا بشراء مقابر عائلية بحي مصر الجديدة، فربما يأتي الموت مبكرا كما داهم "عبدالناصر" على غير انتظار.
واستدرك السناوي أن "هيكل" -بدواعي ارتباطه العاطفي بمزرعة "برقاش"- شرع في بناء مقبرة على أطرافها تتداخل مع مقابر القرية أطلق عليها اسم "دار البقاء"، ثم أعاد التفكير في اختياره؛ خشية أن تكون مقبرته على أطراف المزرعة عبئا على أحفاده، عائدا إلى اختياره القديم الذي أطلق عليه "دار العودة".
شهادة جمال فهمي
الشهادة الثانية هي للكاتب الصحفي جمال فهمي، وكان أحد المقربين أيضا من هيكل؛ إذ قال في تصريحات صحفية أدلى بها، وأكدها أكثر من مرة، إن "هيكل" كان قد امتنع عن تناول الأدوية والعلاج في أيامه الأخيرة، قائلا لعائلته وللمقربين منه: "الرحلة انتهت".
وبحسب تصريحات فهمي للصحفيين، وبالأخص على هامش مشاركته في الجنازة، فقد "استعجل هيكل لقاء ربه في أيامه الأخيرة، بعد تدهور حالته الصحية، فخاطب أطباءه قائلا: "لا تصارعوا القدر"، مطالبا بعدم بذل مجهود أكبر في إنقاذه"، مشيرا إلى امتناع هيكل عن تناول الأدوية في آخر أيامه بعد إصابته بالفشل الكلوي، الذي كان يمكن علاجه منه، لكن شهادة الأطباء عما حدث لهيكل ومعه، صحّيّا، أصبحت لغزا.
هل أهان هيكل السيسي؟
وللإجابة عن هذا السؤال، نعود إلى شهادة عبدالله السناوي، فقد قال فيها إنه في مرض هيكل الأخير اتصل به "عبدالفتاح السيسي" مرات عدة، وعرض نقله إلى المركز الطبي العالمي على طريق الإسماعيلية لتلقي العلاج، وهو (هيكل) لم يكن يريد أي علاج على نفقة الدولة أو في أحد مستشفياتها"، بحسب السناوي.
وأضاف: "بالقدر ذاته، فإنه لم يكن يريد أن تكون جنازته عسكرية على ما أخبر (السيسي) في لقاء ضمهما في قصر "الاتحادية" قبل أن يداهمه المرض الأخير.
وبحسب السناوي، قال هيكل للسيسي ما نصه: "أنت لا تملك لي سوى أن تأمر بجنازة عسكرية، وأنا لا أريد مثل هذه الجنازات".
وعلى الرغم من أن السناوي حاول التخفيف من وقع ما قاله هيكل، إلا أن شخصية بنفسية السيسي، وفق مراقبين، لا بد أنها قد تعاملت مع العبارة على أنها إهانة مباشرة له، لا سيما أنه لا أحد يعرف السبب في انقلاب هيكل على السيسي قبل وفاته، وهل يعدّ تأخر السيسي في حل مشكلة نجله "حسن"، الذي ظل عالقا بالخارج؛ بسبب أمر الضبط والإحضار الصادر بحقه، هو السبب أم لا؟.
ويرجح مراقبون أن هيكل قد "أسرَّها" في نفسه، ولم يبدها للسيسي، كما دلت التسريبات التي أذاعتها قناة "مكملين"، لا سيما أن الأخير لم يجد صعوبة في الاستخفاف بالقانون بعد ذلك، وهو ما رفضه قبلا؛ إذ سمح لحسن بالعودة الآمنة، قبل وفاة هيكل بيومين فقط، ودون إلقاء القبض عليه، ربما نوعا من الترضية المتأخرة للراحل، لكن يبدو أن الترضية جاءت متأخرة جدا.
وكان هيكل كال الاتهامات للسيسي في آخر لقاء له ضمن برنامج "مصر أين ومصر إلى أين"، على قناة "سي بي سي"، أواخر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، قائلا إن النظام الحالي يعمل دون خريطة للمستقبل.
وأضاف قائلا: "يبدو أننا نسير في طريق لا نفهمه، ولا نعرفه، ولا ندرك أننا أمام مرحلة خطيرة أكثر عمقا، وآن الأوان للنظام الحالي أن يجلس ويناقش"، مؤكدا أن الشعب يريد طريقا عمليا للخروج من الأزمة الحالية.