22-02-2016 10:33 AM
سرايا - سرايا - قال القاص مفلح العدوان إن الكثير من المواقف المؤلمة والطريفة التي جرت خلال تدوين مادة «بوح القرى» في الجزء الثالث، ومنها أنه قام بتصوير إحدى القرى المبنية بطريقة بسيطة وتحمل الكثير من معالم التاريخ والتراث، وحينما عاد بعد وقت للقاء آخر، وجد الناس، ولم يجد الأبنية لأنه تم إزالتها، لتفرغ لإقامة مبان حديثة.
وتابع المؤلف أنه خلال زيارته لقرية العراق بالكرك هاله كثرة الجماجم والعظام البشرية في الكهوف التي تحيط بالقرية، فقيل له أنها بواقي مذبحة العثمانيين لأهل القرية التي راح ضحيتها جل أبناء القرية، وهو ما دعا المؤلف لاقتراح إقامة نصب للشهداء على مدخل القرية.
وأشار العدوان في تصريحه لـ «الرأي» إلى أن «بوح القرى» في الجزء الثالث :»يمثل تواصلا للموسوعة التي بدأت عام 2008 ، وستصل إلى عشرة أجزاء، فالمادة موجودة، لكنه يواجه تحديات وصعوبات في النشر. مؤكداً أن هذه المواد التي تنشر في «الرأي» كل ثلاثاء، تمثل أرشيفاً وطنياً، وموسوعة تدون التاريخ والجغرافيا والمعلومات الانثربولوجية عن المكان والسكان، وتمثل ذاكرة وطن».
وكان صدر الجزء الثالث من الموسوعة عن دار فضاءات بجهد شخصي من المؤلف، فيما دعمت الجزئين الأول والثاني صحيفة الرأي.
وكتب العدوان عن موسوعته: «أقرأ الاسم الذي هو عنوان التراب والماء فيها، عنوان الجغرافية والتاريخ، الدين والاسطورة، البعيد والقريب هو الأردن، وأنت يا نهر الأردن أبدا منك وبك عنوانا وشرحا، وأنا أبحث فيك عن مسيح تعمد بمهابتك، ها قد تجلى حضوره مع انسياب مائك، وها هم حوله حواريوه، يهبون في النهر مثله، فيزداد نبع التقديس، أتهجاك أكثر، ما أعظم معانيك، تهادى فأنت النهر الشاهد، الشهيدن مهيبا أنت عميق الدلالة، روحا وواقعا مقدسا، لا حبر على ورق، اعرفك نقيا كمهجة النبي، مباركا كبؤرة السماء، هكذا خبرناك قبل الاطالس والخرائط، وقسمة الأرض على غير أهلها، فنحن أهلك، وندري أنك لست فرعا بلا شجرة تعود إليها، ولا لقيطا بلا دفتر عائلة، يا نهر الأردن أنت الذي تضيق ذرعا بالسكينة، يفيض ماؤك يا الله، من سنين لم نر فيضان مائك، أم أنك دائما تفيض، وتزيف الاخبار عنك فيتشابه ماؤك علينا».
وفي مهابة الحجر قال العدوان:»ليس من الممكن فهم المكان الأردني الا اذا تم إعطاء القيمة لكل عنصر من عناصر الطبيعة فيه، فإذا كان الماء مقرونا بالنهر، نهر الاردن، والملح مرتبط بالبحر البحر الميت، كأخفض بقعة جيولوجية موجودة على سطح الكرة الأرضية، فللحجر أيضا قيمة ودلالة تزيد على كلا العنصرين السابقين، خاصة عند الوقوف بمهابة أمام البتراء حاضنة الحضارة العربيةالتي كانت مهدت للحضور الفعلي لزخم الهوية العربية كونها عاصمة مملكة الانباط التي تشكل فيها الرسم الأول للأبجدية العربية من خلال الحرف النبطي، وفيها أيضا عاش أحد عشر ملكا هم قوام تلك المملكة، وقد كان هؤلاء الملوك يجسدون في لحظات السلم والحرب من عام 500 قبل الميلاد وحتى عام 106 ميلادي مراحل المواجهة والحفاظ على الهوية العربية أمام موجات الهجمات العبرانية تارة والفرعونية تارة أخرى، والرومانية في مراحل كثيرة».
وتحدث العدوان عن الصحراء بأنها:»الامتداد السكون بالتراب البكر الذي ضم في جنباته أسفار تاريخ الموديين، والصفويين، فقد كان قادرا على صياغة جزء من تاريخ المنطقة، بعبقرية الموقع، عندما حضن مدنا كانت حواضر امتدت بعد ذلك لتطال الحضارات القديمة الاخرى، كما أنه احتوى بحكمة صمته تداعيات الخلافة الاسلامية كأنه يشكل عمقا بيئيا ومعنويا لنسيج الوفاق أو الخلاف في الحجاز، إذ إن الحميمية القرية الواقعة جنوب الاردن، كان لها فضل حضانة بداية الخلافة العباسية، وكان بها ميلاد ثلاثة خلفاء عباسيين، ومنها انطلقت ثورة بني العباس، بعد ان واطنوها سنين عددا وزرعوها وأقاموا قريتهم بذلك على أثر نبطي قديم كأنهم يحيون ميراث العرب الاوائل هناك».
من جانبه كتب استاذ علم الاجتماع في جامعة فيلادلفيا د. سالم ساري:»التجاه الراهن نحو القرية الأردنية التاريخية ليس مجرد مطلب رسمي لمزيد من التسجيل والتوثيق، أو توفير قاعدة بيانات لتعيين عراقة الاصول والمنابت، أو تحديد تاريخية الولاء والانتماء، كما أنه ليس ببساطة محاولة تجارية لاستثمار مادة مغرية للسياحة والتسويق، وإنما هو اتجاه بحثي نحو كل ما يمكن البحث عنه من عذرية تاريخية، نقاء ديني فكر بري في حقبة التطورات الهائلة الجارية التي تهدد الإنسان والزمان والمكان بفقدان الذاكرة وفوضى المفاهيم واختلاط الثوابت والمتغيرات».