22-02-2016 11:17 AM
بقلم : د. إبراهيم بدران
في لقاء هيئة الطاقة النووية مع لجنة الطاقة في مجلس النواب، أعاد رئيس الهيئة التأكيد على العموميات التي لا يعترض عليها أحد ولا تشكل قضية. فالحديث عن التكنولوجيا وأهميتها، والتقدم العلمي والدول المتقدمة، وأهمية الطاقة النووية على مستوى العالم، كل ذلك لا غبار عليه. ولكن المشكلة هي في المشروع الوطني بظروفه وخصائصه، حين يتم القفز عن الأخطاء الفنية ،والجوانب السلبية، و إعطاء تعميمات مبهمة في المشروع الوطني ، تزداد غموضاً وإرباكا بعد كل لقاء أو تصريح ،أو تكليف كتاب غير متخصصين للإشادة بالمشروع في تفاصيل و أرقام لا يطيقون التعامل معها فتختلط المعلومات بشكل لا يفيد المواطن شيئا .
أولاً: أشار رئيس الهيئة انه يتوقع أن تبدأ الدول العربية باستيراد اليورانيوم من الأردن في غضون (10) سنوات . أي يورانيوم سوف تستورد هذه الدول؟ هل هو اليورانيوم الخام ؟ أم الكعكة الصفراء؟ أم اليورانيوم المخصب؟ وإذا كان التخصيب غير موجود في أي دولة عربية، ولا يتوقع لأي منها أن تتمكن من هذه التكنولوجيا في المستقبل القريب والمتوسط، وإنما ستعتمد على الاستيراد من الدول التي لديها هذه التكنولوجيا، فلماذا تستورد اليورانيوم خاماً أو كعكة صفراء؟ و ما هي العائدات المتوقعة ؟هذا، ونحن حتى الآن لم ننتج من الكعكة الصفراء إلا بضع غرامات في المختبر.
ثانياً: أعلن رئيس الهيئة أن الخزينة لن تتحمل أي نفقات إزاء المشروع الذي تقدر كلفته بـ (10) مليارات دولار، من المرجح أن تنتهي إلى (12) أو (15) مليار دولار . وسيكون تمويل المشروع كما يقول “مثالثة” بين روسيا والصين والأردن . و لكن الأردن لن يدفع حصته من المشاركة البالغة من (3.5) مليار إلى (5) مليار دولار لأنه سوف يحيلها إلى شركات وممولين للتمويل .وسوف يتحمل فقط (900) مليون دولار على مدى (10) سنوات. هذه كلها حسابات و افتراضات غير واقعية أبداً في سوق التمويل والاستثمار، وفي ظروف المنطقة “الجيو- أمنية” و الجيو- سياسية الراهنة. ولو كان الأمر بهذه البساطة لتحركت جميع الدول لإنشاء محطات نووية على حساب الروس والصينيين وشركات وممولين أجانب .
ثالثاً: إن تكرار الحديث مرة بعد مرة عن تحلية المياه لغز غامض. ولا أحد يعلم حتى الآن كيف ستكون تحلية 160 مليون م3 مياه في الموقر حيث لا ماء ولا بحر ولا بحيرة ولا نهر، والمسافة بين المحطة وبين البحر الأحمر أكثر من 250كم. ومن أين ستأتي هذه المياه؟ أو إلى أين ستذهب الكهرباء؟
رابعاً: في ظل أزمة المياه الخانقة التي يعاني منها الأردن، لا بد من التنبيه أن الاطمئنان إلى مشاريع افتراضية غير قابلة للتحقيق، مسألة غاية في الخطورة السياسية والاجتماعية والتنموية. فالأردن تفرض عليه ظروفه أن يتحرك نحو مشاريع منتجة جديدة في المياه، تقوم على الواقعية الكاملة، وإمكانية التنفيذ بالقدرات الوطنية . أولها السدود والحصاد المائي وثانيها تحلية مياه العقبة و غيرها بالطاقة الشمسية وثالثها إعادة التدوير والاستمطار... الخ.
خامساً: أن اللقاء لم يتعرض إلى المشكلات الحقيقية التي يواجهها “المشروع الأردني “ ،و هي محل قلق المواطنين، وليس “المشاريع العالمية”. في مقدمة ذلك مياه التبريد والمياه في حالة الكوارث النووية. إن الاعتماد على إعادة تدوير مياه الخربة السمراء للتبريد بمعدل 50 – 60 مليون م3 سنوياً يعني في الجوهر حرمان الزراعة من هذه المياه على مدى السنوات ال60 القادمة. فهل يسمح الوضع الغذائي والزراعي في البلاد بمثل هذا الحرمان بعد أن وصل عدد السكان إلى 10 مليون نسمة و العجز الغذائي إلى أكثر من 83% ؟ أن المواطنين و المتخصصين يبحثون عن إجابات مباشرة وصريحة.
سادساً: إن المياه اللازمة في حالة الكوارث النووية لا تجد إجابة أبدا. من أين ستتوفر كميات غير محدودة من المياه إذا وقعت كارثة نووية ؟ نحن لا نتحدث عن انكسار أنبوب، أو انهيار حفرية، أو تصدع عمارة، بل عن محطة نووية بكل المخاطر التي ترافق الحوادث النووية على المستوى الوطني.أين الإجابة؟؟
سابعا: إن القول بأن المفاعلات هي من الجيل الرابع وهي آمنة بالمطلق، أمر يتناقض مع الهندسة والعلم و الواقع. إنها مفاعلات جديدة ولم تدخل الخدمة بعد،إلا في نطاق ضيق ولفترة محدودة. لا تستطيع دولة أن تجازف بمستقبلها هكذا و بأرواح المواطنين على افتراض أن المحطة آمنة بالمطلق.
ثامناً: إن ما يتعلق بتوفير المياه للكوارث يختلف عن متطلبات السلامة والأمان التي تفرضها وكالة الطاقة الذرية والتي تركز على سلسلة من الإجراءات ينبغي إتباعها ولا خلاف عليها. أما “تصميم” المفاعل و “تحملية” المفاعل وتفاصيل احتمالات الكارثة فلا تدخل فيها الوكالة.
تاسعا: بالنسبة للنفايات النووية، فأي نفايات سوف يتسلمها الجانب الروسي ليدفنها في روسيا ؟ إنها فقط النفايات المتبقية من اليورانيوم الروسي المخصب لديها، وليس اليورانيوم الأردني. لأن روسيا لا تقبل أن تكون مكباً للنفايات النووية للدول الأخرى.
عاشرا: بالنسبة لأسعار الكهرباء فالفحم والغاز والطاقة البديلة وخاصة الشمسية أصبحت أقل كلفة من الطاقة النووية ،والتي تتغير أسعارها من لقاء إلى آخر. و كان سعر 2 قرش آخر رقم ورد على قلم أحد الكتاب المرموقين.
حادي عشرً: يتم الحديث عن الطاقة النووية و كأنها ستنهي مشكلة الطاقة بالكامل ،هذا في حين أنها لن تغطي أكثر من (16%) من فاتورة الطاقة. و يتم الحديث عنها بمعزل كامل عن منظومة الطاقة في الأردن. أين الصخر الزيتي؟ وأين الغاز السائل؟ وأين الغاز الأردني الذي يتم تطويره؟ و إذا كانت قطر مستعدة لتزويدنا بالغاز، والجزائر مستعدة لتزويدنا بالغاز،و قبرص مستعدة لذلك علما بأن احتياجاتنا بالمقاييس الدولية متواضعة للغاية ، فما سر هذا الركض في كل اتجاه من أجل الغاز ؟ولماذا اتفاقية الغاز السرية مع إسرائيل؟ بكل ما فيها من غموض و التباس و خطر سياسي استراتيجي في ظل الغدر والإبتزاز الإسرائيلي ؟
ثاني عشر: بالنسبة لحمل الأساس الذي “يطلسمون” به المواطن العادي، ألا تصلح المحطات التي تستخدم الغاز وهو أقل كلفة من الطاقة النووية، والمحطات التي تستخدم الصخر الزيتي،بل الفحم المستورد لمواجهة حمل الأساس ؟ كيف تحمل محطات استونيا التي تعمل بالصخر الزيتي حمل الأساس هناك منذ عشرات السنين؟ ولماذا لن تحمله في بلادنا ؟
ثالث عشر: أليس من الأجدى، إذا كان لا بد من الطاقة النووية بأي ثمن و رغما عن أي جدوى فنية أو اقتصادية، أن يتم التريث لعشر سنوات حتى يتم تصنيع و تجربة مفاعلات (400) أو 600 ميغاواط تتناسب مع حجم الشبكة الكهربائية الأردنية بدلا من تركيب مفاعلات (1000) ميغاواط في شبكة صغيرة؟ وهو خطأ فني وهندسي فادح سيجبرنا إلى ربط شبكتنا الوطنية مع الجوار، وغالبا إسرائيل ،لاستقرار الشبكة؟
وبعد. ففي بلدنا الذي نحبه جميعاً حيث وصلت المديونية فيه إلى (90%) من الناتج المحلي الإجمالي، ولا يتعدى اقتصاده 40 مليار دولار، وقطاع النقل يستهلك 42% من مجمل الطاقة، وليس لديه سكة حديد، ولا منظومة نقل حديثة، و لا تصنيع للقطاعات الاقتصادية، ولا تنمية حقيقية في المحافظات والأرياف، وشبكته الكهربائية صغيرة الحجم، والماء لديه مشكلة، والغذاء مشكلة، والبطالة المحلية والوافدة مشكلة، لا يجوز لبلدنا أن يتناسى كل هذا، ويتناسى الصخر الزيتي المتوفر والطاقة الشمسية الوفيرة، و الغاز المسال و الوطني ،و الفحم المستورد، ليركض إلى الغاز الإسرائيلي و الطاقة النووية معا، في الوقت الخطأ وحجم المفاعل الخطأ والموقع الخطأ و المستلزمات الخطأ،و الظروف الجيوسياسية الخطأ، والمبررات الاقتصادية و التكنولوجية الخطأ.
إن الإستثمار و التوسع في الغاز الوطني الأردني ، و استيراد الغاز القطري والجزائري، و سواه غير إسرائيلي، والتوسع في الصخر الزيتي،و الطاقة المتجددة، و حفظ الطاقة، و الفحم المستورد،و كلها أكثر إقتصادية من النووي، وفي نفس الوقت إنفاق 50% من تكاليف النووي و توابعه لأجل: مشاريع المياه وتنمية المحافظات والسكة الحديد و التصنيع، سوف يغير مستقبل البنية الإقتصادية العمرانية، و ينقل الأردن إلى مرحلة جديدة يتطلع إليها كل مواطن.