08-03-2016 09:37 AM
سرايا - سرايا - قال الكاتب الاردني الكبير محمود الزيودي في حفل اشهار كتاب الشيخ المجاهد حمد ابن جازي لمؤلفه محمود عبيدات
أشكر الأستاذ الباحث محمود سعد العبيدات على جهده ونفسه الطويل في توثيق سيرة الشيخ حمد بن جازي في 448 صفحة من الوثائق والصور ..... وثق لنا محمود العبيدات جهاد حمد في الثورة العربيّة الكبرى ودخوله دمشق مع الأمير فيصل ... كذلك توثيق أسماء الأردنيين الذين شاركوا في تتويج فيصل وهم جمهرة تفوق اي وفد عربي في حفل التتويج .
معروف جداً أن أغلب القبائل الأردنيّة لم تجاهر بتأييد الثورة العربية الكبرى عند بدايتها خوفا من بطش جمال باشا السفاح وسامي باشا الفاروقي . وفي أذهان الأردنيين ما حل بالدروز والكركيّة عام 1910 و1911 . بالاضافة الى مشانق جمال السفاح في دمشق وبيروت ونفي المشكوك بولائهم الى الاناضول ..
ولكن هذه القبائل اعطت المواثيق السريّة لرسل فيصل . وانتظرت تقدم الجيش الشمالي لتنضم للثورة ... كان هذا ايضا حال النوري ابن شعلان وقبائل الدروز في جبل العرب والقبائل الاردنية الواقعة غرب سكة حديد الحجاز وتعتمد على الزراعة وتربية الاغنام في المعيشة .... لم أجد ذكراً في وثائق الثورة المنشورة لما أورده الكتاب عن اشتراك حويطات ابن جازي لنصرة الأتراك في معارك معان ( وهيدة والفريفرة او الغريغرة كما هي في الكتاب ) .
بل أن أمين سعيد يذكر أن 600 من الحويطات ومجموعة من الكركية شاركوا الأمير زيد بن الحسين معركة الطفيلة الثانية ولم يكن قدر المجالي على قيد الحياة .... لا يمكن مشاركة بني صخر في تلك المعارك لانهم قوم ( اي عداء ) مع الحويطات .. ولا يمكن ان ينخدع حمد ابن جازي بدعاية محمد جمال حاكم معان ... فلحمد عيون واذان في كامل الجنوب مثل غيره من شيوخ القبائل .
النجادات الاحيوات القدمان المراعية بني عطية العمران ... الخ ... ويسجل للبدو عامة انتقال الخبر في اوساطهم خلال ايام من حادثته ... واذا اخذنا بعين الاعتبار تكليف محمد جمال باشا لضيف الله ابو الصقور الجازي نقل رسائل الى فيصل وعوده ابو تايه ... ندرك معرفة حمد بوضع الدولة العثمانية بعد تحرير العقبة ...
أحسن الكاتب بتوثيق مؤتمر الجفر 8 / 6 /1920 الذي يبدو بيانه تعبيراً صادقا عن رأي الأردنيين بوعد بلفور وتداعياته ودعوة حمد بن جازي لتوحيد سوريا الطبيعية مع الحجاز وكأن الثورة لم تزل قائمة . وإصراره على مرجعية الحسين بن علي في إدارة شرق الأردن . وموقفه من بلاغات علاء الدين الدروبي أول رئيس لحكومة الاستعمار الفرنسي في سوريا ... ففيما فصل معان واذرح والرشاديّة عن الكرك نجد عوده ابو تايه يسجن قائم مقام معان عبد السلام كمال لأنه رفع العلم الفرنسي على السرايا .. كذلك دعوة حمد مع الأردنيين للملك الحسين بن علي ليتولى سلطاته في المنطقة ... واستضافة الحويطات والمعانيّة لمئات الوافدين من بلاد الشام لاستقبال الأمير عبدالله ...
وقد أورد الكاتب كثيرا من صراحة حمد التي اشتهر بها ووثقها جميع معاصريه ممن كتبوا مذكراتهم . رأيه ببرقية مظهر رسلان ... صراحته مع الملك المؤسس في الرشاديّة بعد تأسيس الأمارة ولو انها خرجت عن التسلسل التاريخي للأحداث .... فكلوب باشا جاء إلى الأردن في الثلاثينات من القرن الماضي ... كذلك قلطة حمد على إنهاء عادة الغزو والسلب والنهب في المنطقة وهي ميراث عثماني صرف . وتصدّي حمد للصلح بين الحويطات وبني صخر بعد وفاة عودة أبو تايه على طريقة الحفار والدفان . وكنت أتمنى لو أثبت الكاتب الشهادات الشعبيّة عن تعامل حمد مع منايع أو أسرى غزوات نجد التي تكررت على الإمارة في الوسط والجنوب . واثبت الباحث تصدي حمد للحالة الاقتصاديّة السيئة عام 1933 وإجبار الحكومة على تأجيل ديون الفلاحين ورفع الأعشار وأعفاء المكلفين بالأموال الأميريّة وإنشاء بنك زراعي . وبعث الطلاب لدراسة علوم الزراعة وكلها افكار تقدمية في زمنها ... فالرجل يسود مجتمع نصف فلاحي في الرشادية واذرح والجربا والفجيج ونواحي الشوبك ووادي موسى وهو اعرف بمصائب القحط اكثر من توفيق ابو الهدى ... وكانت صورة حمد في المؤتمر الإسلامي مع الهندي محمد إقبال والإيراني ضياء الدين الطباطبائي واللبناني الشهير محمد رشيد رضا والحويطي اللبناني مصطفى الغلاييني وغيرهم خير شاهد على اهتمام حمد بالقدس الشريف وفلسطين مثل اهتمام شكري القوتلي ورياض الصلح الذين شاركوا في المؤتمر ... إن سرايا الجهاد في باب الواد وما حولها التي أوردها الكتاب مع سجل الشرف الذي ضم 26 شهيدا هي ملحمة لم تأخذ حقها من البحث في تاريخ الأردن .
وقد أورد الباحثان لاري كولينر ودومينيك لابيير عنها أكثر مما أورده المؤرخين العرب . وكان لي شرف توثيق بعض الروايات الشفهيّة عنها ببيت عفاش راعي الجذوا عام 1980 من أواخر المناضلين الأحياء .... فقد كان عبدالله الأول بن الحسين باعثا على تلك الفزعة . وقد طلبها من رجل قادر على تلبيتها بالرجال والسلاح .... وكان حمد مثالا للاردني الفخور باستشهاد ابنه عندما تلقى خبر استشهاد نايل في معركة باب الواد عام 1948 .... كان حمد إبن جازي عضوا في جميع المجالس التشريعيّة ومجلس النواب حتى وفاته وكانت الرشاديّة دائما محط زيارة للملك المؤسس وحفيده الملك الباني مما يدل على أهميّة ساكنها لمؤسسة العرش ... وهي حالة استمرت مع الشيخ فيصل ابن جازي في مشروع توطين البدو وتطور اجيال الحويطات مع تطور المملكة ... الجندية .. التعليم العالي .. وصول الفتاة الحويطية من الطبقة الفقيرة والمتوسطة الى الجامعة ... الوعي السياسي الذي شرحه مضر بدران في مذكراته عن هبة نيسان عام 1989 ...
لاحظت السرد في الكتاب احيانا فمنذ الصفحات الأولى شعرت أن الكتاب يتحدث بانحياز واضح احيانا مع زخرفة في القول وكل هذا لا يليق بشخصية مؤثرة في بلاد الشام الجنوبيّة ... وعلى هذه الطريقة نشرت كتب عن شخصيات أردنيّة أخرى لا تتفق مع الحياد الذي اختطه جورج أنطونيوس في يقظة العرب وهو يتحدث عن مفجر الثورة الحسين بن علي وكافة الأطراف التي ساهمت في تفجير الثورة من الأتراك والأوربيين والعرب .
ولا حتى مع البحث الأكاديمي الذي قدمه الطالب فواز ابن محمد عوده ابو تايه ( العين فيما بعد ) عن حياة جده عوده ... وأخيرا وليس آخراً المجلد الذي أنجزه الأسترالي بول ماغوو عن محاولة اغتيال خالد مشعل في عمان ... لم أذكر أعمدة الحكمة السبعة لأن كاتبها تحدث عن نفسه بخيال يفوق طشّة وليم سي بروك في كتابه مغامرات في بلاد العرب ... أقول هذا وفي ذهني جيل جديد من القراء متاح له قراءة كل ما كان ممنوعا من التوزيع في أغلب بلاد العرب .. ولو توفر فبسعر يفوق طاقة القارئ العادي ... كل هذا أصبح مجانا على الشبكة العنكبوتية ضغطة مفتاح تضع أمام القارئ أكثر من 600 صفحة من يقظة العرب أو أعمدة الحكمة السبعة أو صديقنا الملك لجيل بيرو ... وغيرها من الأسفار التي قدمت شخصياتها بحيادية وأدهشت القارئ بالمعلومات عن الأحداث التي صاغت وصول تلك الشخصيات إلى القمة .
خلا ذلك السفر الجميل من اللهجة والعادات والتقاليد والمفردات اليوميّة وهي دلالة على هويّة الناس .. فللحويطات في الأردن لهجة تحوي بعض المفردات الغريبة على السمع لأول مرَّة ... نقول في الأردن لأن هناك حويطات في مصر وفلسطين والسعودية ولبنان كما هو حال الأديب مصطفى الغلاييني الذي ناضل مع الشوام لإبطال معاهدة سايكس بيكو . أسس الرجل عائلة حويطية في لبنان قبل أن يتوفى عام 1945 وهو رئيس المجلس الإسلامي وأحد قضاة الشرع في بيروت ... تلك اللهجة والمفردات عربيّة فصيحة ولكن نطقها باختصار يجعلها غريبة على السمع مثل ذوان التي تعني ذا الآن ... قبيلان بمعنى قبيل الآن ... قوطر وعقّد بمعنى غادر ... هنّ لذكر رجل نسينا اسمه والعرب تقول يا هناه بنفس الحالة ... تبحل بمعنى تحتار . مفوّل تعرض أو تغيير رأي ... وقد خلا الكتاب من تلك المفردات التي تدل على شخصيّة الحويطي زمن حمد ابن جازي وحتى الستينات من القرن الماضي ... نخوة حمد اخو صيته كما نخوة عوده ابو تايه اخو عليا ... ولكن نخوة الحويطات عامة هي اخوات صالحة ... كذلك الأقواء في الأشعار التي وثقها الكتاب عن الرواة ...
عبطان مثل الحر يوم وصفناه
اشقر مودع بارز بالثنادي ( ص 106 )
يا راكبا من الصفر فوق سيار
انتو حرار ووجهكوا للقرومي ( ص 97 )
ولم يقارنها الباحث مع الشعر الجزل لفحول مثل جديع ابن هذال وسعدون العواجي ...
الخيل تدري بك ايام المثارات
تاطا شخانيب الرضم ما تشوفي
من عقبكم ما نبكي الحي لو مات
ولا انا على الدنيا كثير الحسوفي
ليستبعد الغث منه عن سيرة رجل كان ديوانه وديوان والده عرار منبرا للشعراء مثل سالم ابو الكباير وعلي القزيعي ومصلح الدماني ... غير أن الشعر في الكتاب يعود الى ألقه وجزالة ألفاظه في قصيدة حمد نفسه ص 425 رغم الخطأ الطباعي أنيف بدل انسف ...
يا راكب اللي ما توانى قديدة
حرة نقية من ركاب الحويطات
وفي القاموس قَدَّ الْمُسَافِرُ الفَيَافِيَ بمعنى قَطَعَهَا
.... أجزم أن الشعر الشعبي في جنوب الأردن لم يحظ بالتوثيق والدراسة كما هو حال شعر البلقاء والشمال ... لا يغيب عن البال ان الشعر الشعبي كان سجلا تاريخيا بوصفه للأحداث كما هو حال مثايل عبدالله اللوزي أو مقطعات سالم المرعي الحياري وسالم ابو الكباير...
اختفت من الكتاب تلك الطرائف الجميلة التي رواها هزاع المجالي وأحمد الطراونه وغيرهم عن حمد ... انخدع حمد بثقة احمد الطراونه لتغييبه في صلاة التراويح عن جلسة البرلمان لانتخاب رئيس المجلس ... كان صوت حمد مرجّح لفوز هزاع المجالي ... في الجلسات التالية قام حمد بمناكفة الطراونه وزير المالية على الضريبة مما اغضب الطراونه الذي خرج من المجلس ثم عاد مسرعا عندما علم بنية النواب اسقاط عضوية حمد فقال ... ان ابو نايل مثل والدي ... ووصل الغضب الى الحسين رحمه الله فمنع دخول حمد الى مكتبه ... لم يعرف الحرس بالرغبة الملكية فتركوا حمدا يدخل بسيفه على الحسين كالعادة ... كان الملك يجل حمد ويحترمه .. بعد عتاب دعاه للغداء في الرشادية واشار لرئيس الديوان ووزير البلاط وقال ... وتجيب الكلبين ذولا معك وضحك الجميع ... ذهب حمد الى احمد الطراونه لمصالحته حسب رغبة الملك ... قال له .. تصلح ولا ترى بالخيزرانه وش تقول ؟؟؟ ... وتلك دلالة على احترام وتقدير مؤسسة العرش ورجال الحكم لحمد ابن جازي وتاريخه المشرّف .. وحسب قراءتي لتلك الفترة لم اجد اردنيا حظي بذلك التبجيل والاحترام الذي حظي به حمد ابن جازي ... كذلك اختفت من الكتاب تلك الطرائف الجميلة التي رواها معاصريه من ابناء قبيلته والقبائل الأخرى ... فحينما يأتي غريب عن المجلس اليومي ينهض حمد من صدر الديوان ويذهب ويجالس الوافد في الطرف يسأله عن حاجته لئلا يحرج وهو يجهر بها امام الناس ... كل هذا لا ينقص من قيمة الكتاب وجهد الباحث الذي اتمنى له التوفيق في مشاريعه القادمة ...