12-03-2016 09:42 AM
بقلم : رقية القضاة
يعتبر التغيير والتجديد الإيجابي مطلبا إنسانيا وحياتيا ضروريا ،نظرا لتغيّر أنماط الحياة البشرية وتطوّرها الدائب، الذي لا يفتأ يتحرك باتجاهات شتى، تتأرجح بين ما فيه نفع للبشرية بكل ما لديها من منظومات قيمية أو بنية حضارية وإنسانية، أو تغيير سلبي مدمر، يهدف إلى تحقيق مصالح غا لبا ما تصب في مصلحة دعاة ذلك التغيير، والتي غالبا أيضا ما يدفع ثمنها أولئك الذين صفقوا لهامخدوعين بها ،او مستضعفين مقهورين لقمعها وقوتها.
وباستثناء الحركات التغييرية الرسالية ، وهي تلك التي جاءت بها الرسالات السماوية ،فإن التاريخ الإنساني لم يسجل في صفحاته الطويلة حركات امتازت بالعدالة والوجه الإنساني الشامل ،بل ظلت تلك الحركات قاصرة عن فهم وإدراك الفطرة البشرية ،وما يتواءم معها من تشريعات تضمن استمرارية العطاء الحضاري وعدالته ،وكثيرا ما كانت قيادات ذلك التغيير،تحمل نظرة قاصرة إلى مواطن الخطأ وحقيقته وصنّاعه، فتأتي الدعوة إلى التغيير إنتقائية، تفتقر الى الشمولية والمنطق، مما جعل الكثيرين من قادة ومفكري تلك الثورات أو الحركات التغييرية ،يخضعون للمزاجية او التحيز، وهم يخطّئون أو يصوبون تلك الاحداث التي تتبع مرحلة التغيير الأولى ( الثورة الفرنسية كمثال )، ولأن مرجعية تلك الحركات لا تستند اساسا إلى تشريع حكيم وعادل ومحدد ومراع لاحتياجات الإنسان كإنسان ،بكل خصائصه وارتباطه بمحيطه العقائدي والإقتصادي ،فقدألغت ودون تفكير، كل دور للدين مثلا في حياة الناس ،وربطت مصالحهم بالمادة، مؤثرة على بسطاء التفكير بالشعارات العاطفية الرنانه ،والتي سرعان ما تكشَف وهنها وعدم صلاحيتها لتحقيق السعادة المنشودة للبشرية .
وحتى الرسالات السماوية التي سبقت الإسلام والتي جاءت ايضا كحركات إصلاح وتغيير،لظروف ومعتقدات جائرة استعبادية ، فإن يد التغيير السلبي لم تلبث أن طالتها بالتحريف والتجيير لصالح طبقة من البشر، ظلت تظهر على مدى أزمنة التاريخ، إلى أن أشرقت شمس الإسلام بدفئها الإنساني ،وحركتها التغييرية الراشدة العادلة الشاملة ،معلنة أنها آخر رسالة سماوية إلى أن يرث الله الارض ومن عليها.
وعليه فإنها جاءت كاملة شاملة، متواءمة مع فطرة الإنسان ،مؤكدة على حق الإنسان في عيش كريم آمن الجانب ،موفور الكرامة حر التفكير والإعتقاد والتملك ،وفق قانون إلهي عادل، تفرد فيه الخالق العليم الحكيم، بإيضاح العقيدة التي لايقبل عند الله، سواها باسطة بالشرح البين والتفصيل المستفيض، شريعة الله السمحة، التي هي بحق حركة تغيير، قلبت كل موازين البغي والكبت والإستعباد وتقييد العقول وتغييب حرية البحث والإستنتاج ،هازئة بخضوع العقل البشري لآلهة اقل شأنا من عابديها، مؤكدة على تسخير ما في الأرض جميعا لهذا الإنسان المكرم المستخلف من الله جل وعلا في ارضه الرحيبة ، ضامنا له حرية المشي في مناكبها رافضا كل الرفض تلك المنظومة الإجتماعية الخاطئة الجائرة، التي مكنت فئة متنفذة بغيا وعدوانا من رقاب وعقول ومقدرات أمم مطحونة، مقهورة لنظام بشري الصياغة، طاغوتي المنهج، قاصر النظرة، استعبادي النزعة، ليقر عبر حركة تغيير حاسمة (ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )وهو المنهج الذي انطلق به لسان الفاروق حين اعتدي على حرية فرد مغمور من قبل متنفذ، استهان بكرامة الضعيف ' متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا'.
إن ما نراه اليوم من تخوف من الإسلام، كحركة تغييرية، واعتباره ايديولوجيا تحول بين الإنسان وحرية التفكير والتعبير، وهو ابعد ما يكون عن هذا، بل إنه يضع البشرية أمام حقائق بينة، قد بت فيها برأيه، ويترك له مجالات كثيرة واسعة للبحث والتوصل إلى ماتبتغيه في التقدم العلمي والحضاري، والمنصفون من الباحثين ودعاة التغيير يعرفون هذه الحقيقة، ويدركون أن ما قطع فيه الإسلام برأيه لم يصطدم ابدا بحقيقة علمية ،او فطرة بشرية، بل إنهم وجدوا فيه نقطة البداية إلى كثير من الحقائق العلمية ،والتوجيهات الإنسانية التي أثبتت جدارتها التامة في مجالها، فالخوف من الإسلام كفكر محرك ودافع للتغيير الشامل المتحضر ،ليس له ما يبرره، اللهم الا من قبيل التعصب الأعمى ،والرفض الجاهلي غير ا لمنصف..
بقي أن نقول بملء الثقة ،إن أي تغيير يقصد به الخير للبشرية، لا بد له من المرور المستانس الجاد الواعي المقدر لمنهج الله التغييري ، الذي اجمعت كل الآراء المنصفة اسلامية وغير إسلامية ،على أحقيته وصلاحيته وقدرته وحده دون سواه ،على قيادة البشرية في حركة تغييرية فكرية وسياسية واقتصادية وإنسانية شاملة عبر قنوات سلمية ،تعتمد على الحجة والتجربة واطلاق الحرية للعقول كي تقرر بملء إرادتها مدى النفع الذي سيحققه لها الإسلام بمنهجه التغييري الإلهي الشامل الكامل.