17-03-2016 09:34 AM
بقلم : د. زيد محمد النوايسة
عندما اتخذ الرئيس الروسي قرار التدخل العسكري لمساندة نظام الرئيس الأسد في سوريا قبل ما يقارب الستة أشهر وقد قيل يومها ان الإيرانيين هم من لعب دوراً رئيسياً في اقناع الروس بالتدخل نتيجة القلق المتصاعد من تراجع القوات الحكومية السورية نحو سوريا المفيدة وخصوصا بعد غزوة ادلب التي حدثت بدعم امريكي تركي سعودي كبير تم من خلال دعم وتمويل وتأسيس تحالف سمي لاحقاً بجيش الفتح ؛ لم يتأخر الرد الروسي كثيرا فكانت الاستجابة وبقرار مشترك اعلن في نفس الوقت من موسكو ودمشق وكان الهدف هو ضرب التنظيمات الإرهابية وتحديدا تنظيم داعش وجبهة النصرة وطلبت موسكو عبر الولايات المتحدة الامريكية والحلفاء الإقليميين من المعارضة المعتدلة تحديد أماكن تواجدها على الأرض حتى لا يتم استهدافها وحددت مهلة زمنية مدتها أربعة اشهر لإنجاز الأهداف والعودة الى قواعدها في روسيا.
عملياً اليوم وبعد ستة أشهر يمكن القول ان الروس قلبوا المعادلة الميدانية بالتعاون مع القوات الحكومية السورية والحلفاء الإقليميين إيران وحزب الله أو لنقل على الأقل أحدثوا توازناً ميدانياً واضحاً يمكن ان يوظف لصالح نظام الرئيس الأسد، صحيح ان هناك جزء كبير من الأراضي خارج السيطرة بل ومدن كامله كمدينة الرقة وادلب وتدمر وجسر الشغور، لكن النظام ما زال يسيطر على الخطوط الرئيسية التي تربط دمشق بالساحل السوري وحلب والمنطقة الشرقية واستطاعوا وبالاتفاق مع الامريكان ان يؤسسوا للحل السياسي وبقرارت اممية 2254 و2268 وبتوافقات دولية في فيينا وميونخ مهدت جميعا للوصول الى الهدنة التي دخلت اسبوعها الثالث دون اختراقات مهمة وصولاً الى جنيف 3 الذي اصبح واقعاً الان!!
في هذا السياق حدث تطور مهم مساء الاثنين 14/3/2016، عندما اعلن الرئيس الروسي بوتين قرارا يقضي بسحب القوات الرئيسية من سوريا بدأً من يوم الثلاثاء 15/3/2015 وبعد ساعات من بدء الجلسة التشاورية في جنيف بين المبعوث الدولي ديمستورا وبشار الجعفري رئيس الوفد الحكومي السوري؛ القرار الروسي الذي اعتبر مفاجئاً شكل صدمة في الأوساط الإقليمية والدولية لا تقل عن تلك التي حدثت عندما قرر الكرملين التدخل العسكري المباشر قبل ستة اشهر، ولكننا لا نستطيع ان نفصل القرارين عن بعضهما في كون قرار الانسحاب او تخفيف عديد القوات الروسية كما جاء في البيان الرئاسي السوري الرسمي، جاء لينسجم مع الوصول الى الحالة الثانية وهي الجلوس لمائدة التفاوض بعد نجاح روسيا والحلفاء في منع سقوط النظام والدولة بكافة مؤسساتها وإطلاق مسار الحل السياسي بالتوافق مع الإدارة الامريكية بالطبع .
من المبكر القول ان الروس تخلوا عن الحليف السوري وتحديدا قيادة رئيس النظام السوري بهذه البساطة وبهذه السرعة فهذا كلام يقال للاستهلاك الدعائي والسياسي؛ لكن المؤكد ان القيادة الروسية وجهت رسالة واضحة مفادها اننا جاهزون لنكون عنصراً فاعلا ومؤثرا في الحل السياسي من خلال ابعاد أي مؤثر يمكن ان يوظف وحتى من قبل النظام السوري نفسه على غير ما تريد وحتى يكون هذا الحل سوري سوري على الاخرين ايضاً ان ينسحبوا من المشهد السوري والمؤكد ان الامريكان في صورة القرار الروسي وربما بالاتفاق الكامل وقد يكون مقدمة لأغلاق الحدود التركية بشكل كامل لان التململ الأمريكي من الاتراك بدأ واضحاً وخصوصا في رفضهم تحميل الاكراد مسؤولية الاعمال الإرهابية الأخيرة التي حدثت في العاصمة انقرة؛ وربما من المبكر أيضاً القول ان الامريكان تخلوا عن حلفائهم الإقليميين في الشرق الأوسط بشكل كامل كما ساد الانطباع بعد حديت الرئيس الأمريكي أوباما لصحيفيه ذي اتلانتيك الشهيرة قبل أيام حينما أكد الرئيس الاميركي أنه غير نادم على التراجع عن الخط الأحمر الذي وضعه في حال استخدم النظام السوري أسلحة كيمياوية في اب 2013، معلناً اعتزازه بعدم اتخاذ قرار بضرب النظام السوري . وكشف عن ان ضغوطا كبيرة مورست عليه داخلية وخارجية من فريق الامن ومسؤولين عن السياسة الخارجية الامر الذي حثه على التهديد بالتدخل العسكري ومعاقبة المرتكبين غير أن أوباما كان له مقاربة مختلفة للموضوع فهو يعتبر ان التدخل في سوريا يمكن أن يكون ملحاً في واحدة من الحالات التالية : تهديد القاعدة و التهديد لوجود اسرائيل وامنها و السلاح النووي الايراني الذي يشكل تهديدا على امن إسرائيل ؛ وبناء على هذه التهديدات التي ذكرها اوباما، اعتبر ان الخطر الذي يشكله نظام الرئيس السوري بشار الأسد لم يصل إلى مستوى هذه التحديات ولذلك ليس هناك من داع للتدخل العسكري المباشر في سوريا.
من الواضح ان الصورة التي ستكون عليها سوريا الجديدة ما زالت غير واضحة بشكل كامل وان كان موضوع التقسيم غير وارد او لم تكتمل اركانه ولم تحدد الصياغة النهائية له نتيجة تداخل الجغرافيا والديمغرافيا السورية والاهم ان امر بهذا الحجم يحتاج لتوافقات دولية وإقليمية معقدة أهمها وأخطرها هو موضوع الاكراد وموقف تركيا القاطع نحو أي كيان كردي والتحفظ الإيراني والعراقي بالإضافة لرفض مطلق من قبل القيادة السورية الحالية والتي كانت مرتاحة للنجاحات التي تحققها القوات الكردية وأن كانت بدعم امريكي سواء في حلب او في المنطقة الشرقية ضد داعش والنصرة والتي اثبتت فعالية واضحة.
من الواضح ومن خلال التصريحات ان الكل متفاجئ من الانسحاب الا موسكو ودمشق؛ وان بدا ان السوريين لا يخشون الانسحاب الروسي وتقليص الوجود العسكري وان الامر تمت مناقشته مع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو وان لديهم تطمينات قاطعة من الروس وان الكتلة الكبيرة والفاعلة من القطعات الجوية ومنظومة الدفاع الجوي الاحدث في العالم اس 400 ستبقى متواجدة في قاعدة حميميم الجوية.
ختاماً، هل تفاجأ الحلفاء للطرفين بالقرار الروسي وما هي التداعيات التي ستترتب على ذلك؟!! من المبكر الحكم على ذلك لان الامر مرتبط بالتطورات التي ستحدث في مبني الأمم المتحدة في جنيف وما ستؤول اليه من توافقات او من نتائج تعيد الجميع الى المربع الأول وخيار الحسم العسكري وان كان مستبعد ولم تعد الظروف الموضوعية مواتيه له، لكن الحلفاء للطرفين في سوريا سواء للنظام او للمعارضة العسكرية وضعوا امام مازق الانسحاب فايران اليوم تجد نفسها مضطرة للتناغم مع الموقف الروسي استجابة لتوفير الظروف المساعدة للحل وما ينطبق على ايران ينطبق على حزب الله بالضرورة، وكذلك ينطبق من ناحية أخرى على حلفاء الائتلاف المعارض والجيش الحر الاتراك والسعوديين بوقف الامداد العسكري وتهيئة الجغرافيا كما في الحالة التركية.