20-03-2016 09:40 AM
سرايا - سرايا - يذهب بعض المثقفين والنقاد أن النشاط النقدي العربي المعاصر عموما عالة على النظرية النقدية الغربية، فقد انعكس ذلك أيضا على إهمال الشعر والانصراف إلى الرواية، ومؤكدين «أن الفنون السردية عموماً هي الأكثر وضوحاً للناقد، وكانت سبباً وجيهاً لانعطاف النقد للرواية أكثر من الشعر الذي لا يمتلك مثل هذه القواعد والآليات التي تغري بنقده».
«الدستور»، التقت بعض المبدعين والنقاد، وتساءلت معهم: لماذا يكثر نقاد الرواية، ويقل نقاد الشعر؟ وهل هي إشكالية الشعر، أم النقد، أم أنها إشكالية مركية تطال الاثنين معا؟ فكانت هذه الإيضاحات والرؤى.
د. إبراهيم أبو هشهش:
الأزمة هي أزمة نقد شاملة ولا تختص فقط بالشعر أو بالرواية، أما ما تراه من متابعات نقدية للرواية فهو غالبا ما يخرج من مجال النقد إلى مجال العروض الصحفية أو الدراسات الأكاديمية التوصيفية التي ينجزها في الغالب دارسون متوسطون أو دون ذلك من حيث ثقافتهم ومواهبهم وأدواتهم المعرفية، ولكن لأن الرواية تقف من الحياة في العادة موقفا كليا بالمعنى الاجتماعي، فمن السهل على الدارسين أن يجدوا منطلقات مختلفة لدراساتهم تقوم في العادة على البحث عن خطابات متضمنة واضحة وعزلها وتوصيفها توصيفا خارجيا استنادا إلى منجزات العلوم السردية التي تطورت في الغرب وقرئت في ترجماتها العربية.
ومن هنا كان من الأسهل دائما الحديث عن الرواية، فالشعر يلقى اهتماما أقل في النقد الغربي المعاصر بما لا يمكن قياسه مما تحظى به الرواية ذات التاريخ العريق كونها جنسا راسخا في الممارسة الأدبية والوجدان الثقافي الغربيين، ولما كان النشاط النقدي العربي المعاصر عموما عالة على النظرية النقدية الغربية، فقد انعكس ذلك أيضا على إهمال الشعر والانصراف إلى الرواية، ناهيك عن أن الشعر كان دائما حالة كثيفة من التجاوز الجمالي والرؤى الكونية ليس من السهل متابعتها نقديا الا عند من يمتلكون أدوات نقدية ومعرفية وألسنية مميزة، أضف إلى ذاك أن الرواية العربية تعيش الآن حالة من الرواج التجاري والإعلامي ليست بالضرورة علامة من علامات العافية الأدبية بقدرما هي علامة من علامات الحداثة بالمفهوم الثقافي السسيولوجي، فعدد الروايات العربية المتفوقة ما يزال حتى الآن للأسف أقل من عدد الدواوين الشعرية المتفوقة، حتى لو ظن كثيرون أن الرواية أصبحت ديوان العرب، أما إذا كان الحال فعلا مثلما يظنون -وهو على الأرجح ليس كذلك- فسوف يكون العرب هكذا قد خسر والشعر ولم يربحوا الرواية.
الشاعر محمد لافي:
بداية، أودُّ القول إن الحديث، هنا، يتعلق بنقد الأعمال الروائية والشعرية الناضجة، المستوية فنياً، فمنذ نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن المنصرم سجّل نقد الشعر تراجعاً لافتاً قياساً بنقد الرواية، خلافاً لعقدي الستينات والسبعينات، وهي الفترة الذهبية لتمدد قصيدة التفعيلة التي رافقت فترة النهوض القومي قبل انكفاء هذه الأخيرة أمام الطروحات القطرية الضيقة، وهذا سبب موضوعي لتراجع الشعر ونقده، إضافة إلى الدواعي الذاتية المتعلقة بالمنتج الشعري نفسه التي يمكن الإشارة إليها بالتالي:
أولاً: يبدو أن ما أشار إليه صديقنا الناقد د. سامح الرواشدة حول الأطر والقواعد المنهجية المتعلقة بنقد الرواية، والفنون السردية عموماً، وهي الأكثر وضوحاً للناقد، كانت سبباً وجيهاً لانعطاف النقد للرواية أكثر من الشعر الذي لا يمتلك مثل هذه القواعد والآليات التي تغري بنقده، وسبر أغواره لاستخراج مكنوناته.
ثانياً: إن ماهية الشعر العصية على «التقعيد»، قد ساهمت في الافتقار إلى آليات محددة للتعامل معه نقدياً، لتظل هذه المهمة منوطة بالقدرات المعرفية، وبالذائقة الجمالية للناقد نفسه، خاصة في سياق موجة التهويم والتضبيب التي اكتسحت النصّ الشعري، ومثّلت إحدى الثمار المرة للهزائم العربية، حيث ارتداد الشاعر إلى الذات في مساقين: مساق يمثّل قطيعة عن «العام»، وتنكراً له، وعدّه قيداً للنصّ الشعري يحول بينه وبين الانفتاح على عوالم وآفاق أكثر رحابة.
ومساق يتأسس في ردته إلى الذات من مقولة الالتزام نفسها كردة فعل على الواقع العربي، ليذهب بعيداً في حوار الذات والتمحور حولها انتقاماً لها ومنها، ومحصلة ذلك المزيد من الضبابية والغموض الذي يصل إلى حد الأبهام، ما يجعل مهمة الناقد والمتلقي أكثر عسراً ومشقة إضافة إلى ماهية الشعر نفسها.
ثالثاً: يبدو لي أن المناهج التعليمية سواءٌ أكانت المدرسية، أم الجامعية، قد ساهمت هي الأخرى، منذ البداية، في اضمحلال الذائقة الجمالية الشعرية، نتقرى هذا في تراجع الاهتمام باللغة العربية، وتهميشها، وهذا سبب وجيه في عدم ضخ نقد الشعر بأسماء نقدية
الشاعر علي شنينات:
لعلّنا ندرك أهمية الرواية ومكانتها في عصرنا الراهن انطلاقا من مقدرتها على رصد الواقع ومحاكاته وانتهاء بحصدها للجوائز وكثرة المبيعات، وان دلّ هذا على شيء فانه يدل على ان الرواية قدّمت أدبا مختلفا ومتجانسا من حيث الشكل والمضمون قياسا بالشعر الحديث الذي ظل عاجزا عن الوصول الى الذائقة الجمعية ومتمحورا في الرمزية المفرطة التي اتكأت على الصورة الشعرية المنغلقة بعيدا عن المحسوس والواقعي.
ان ارتباط الشعر بالوجدانيات والذاتية المطلقة سبب اخر في تقدم الرواية التي أخذت شكلا واقعيا يحتكم الى العقل والبرهان والمنطق وتناول الهمّ الفردي والجمعي باستخدام عناصر التشويق في السرد والبناء الروائي و ارتباط الرواية بالتاريخ والزمان والمكان.
في ظلّ هذا التمايز والاختلاف بين الرواية والشعر من حيث التناول والانتشار وجد النقد طريقه نحو الرواية دراسة وتمجيدا وتمحيصا وظهور العديد من المدارس النقدية والنظريات التي تعنى بالرواية دون سائر الأصناف الأدبية الاخرى.
على ما تقدم فإنني ارى انها اشكالية الشعر نفسه وليست اشكالية النقد، فالنقد المنهجي لا يفرق بين الأصناف الأدبية ولا ينحاز الى فنٍ دون آخر، ولكنه الانتشار الذي طال الرواية في العصر الحديث والذي عبّر عنه الدكتور جابر عصفور في كتابه «زمن الرواية»، حيث قال ان هذا العصر هو عصر الرواية بامتياز.
(الدستور)