20-03-2016 09:45 AM
سرايا - سرايا - توجه ناديا عينيها المكحلتين بخفر إلى الأرض خلال إلقائها قصائد أمام مجموعتها السرية من الشاعرات تتمحور في هذه الليلة حول الحب وهو موضوع يندرج في إطار المحرمات الاجتماعية في أفغانستان ويواجه المجاهرون به خطر الموت.
وتلقي ناديا قصيدة بلغة البشتون احدى اللغتين الرسميتين في افغانستان قائلة فيها "أذوب كشمعة طوال الليل على فراق حبيبي".
تنتمي ناديا البالغة 20 عاما الى مجموعة من الشاعرات تحمل اسم "ميرمن بهير" (ميل النسوة) وتعقد اجتماعات في موقع سري في قندهار كبرى مدن جنوب افغانستان ومهد حركة طالبان المعروفة بممارساتها المجحفة بحق النساء ما تسبب لها بانتقادات كبيرة من المجتمع الدولي خلال فترة حكمها بين سنتي 1996 و2001.
كذلك تتلو الطالبة الشابة قصيدة من تأليفها بلغة البشتون نظمتها على طريقة قصائد "لانداي" ذات التعابير المختصرة. وتستخدم الشاعرات الافغانيات هذا اللون الشعري لانتقاد عيوب المجتمع بدءا بالزواج القسري للقاصرات وليس انتهاء بـ"جرائم الشرف".
غير أن مواضيع الحب والحياة الزوجية والمشكلات العاطفية وحتى الجنس تجد مكانا لها في هذه الأبيات التي تنطوي على شجاعة كبيرة في مجتمع قلما يختلط فيه الرجال والنساء.
ومن خلال مقاربة كل هذه المحرمات، تصدر ناديا على نفسها ما يشبه حكما بالاعدام الاجتماعي. وتقول "من سيقبل الزواج من امرأة تكتب قصائد؟"، في استعادة لموقف والدتها المعارضة بشدة لشغف ابنتها بالشعر. وتضيف "في العموم، الناس يقولون: اذا كانت تكتب عن الحب فهذا يعني انها امرأة فاقدة للقيم".
الجمهور الحاضر في أحد أقبية قندهار حيث تجتمع الشاعرات، متنوع المشارب. فالطالبات يجاورن ربات البيوت والشابات المرتديات ملابس بالوان زاهية. وقد جاءت بعضهن الى هنا رغم المجازفة التي تنطوي عليها هذه الخطوة. ولتدعيم مبرر الغياب الواجب تقديمه عند العودة إلى المنزل، اصطحبت بعض الشابات شقيقاتهن الصغيرات.
تلتقي الشاعرات بصورة غير منتظمة في هذا المكان حيث تحصل الاجتماعات فقط عند تمكن جميع المشاركات من الحضور بعد تحديد المواعيد هاتفيا.
أما للنسوة اللواتي يرضخن للمخاوف من تحدي العادات الاجتماعية، فقد خصصت مجموعة "ميرمن بهير" خطا هاتفيا يمكن للشاعرات ترك قصائدهن عبره بسرية تامة من ثم تتلى هذه النصوص خلال اجتماع.
هذه المجموعة الثقافية السرية تسمح بمعاينة العالم السري لنساء افغانيات مستعدات للمجازفة بحياتهن لانتقاد العادات الذكورية المتجذرة بقوة في ثقافة البشتون. وتقول اليزا غريزوولد مؤلفة رواية عن هؤلاء النساء الافغانيات الشجاعات "قصائد لانداي مشحونة بالشجن والحب والغضب وهي تكذب النظرية التبسيطية للنساء البشتون بأنهن مجرد اشباح تحت براقع زرقاء".
وقد تحسن وضع النساء الافغانيات منذ سقوط نظام طالبان قبل حوالي 15 عاما اثر الاطاحة به من جانب ائتلاف دولي بقيادة الولايات المتحدة، إذ بات عدد منهن نائبات ورئيسات شركات وحتى طيارات. غير أن المساواة بين الجنسين تبقى بمثابة حلم في بلد ينظر الكثير من رجاله الى النساء على أنهن "ناقصات عقل" وبالتالي يتعين عليهن عدم الظهور في العلن.
ويوضح الشاعر الافغاني وحيد وارسته أن "النساء اللواتي يتجرأن على الغناء وتلاوة قصائد على الملأ قد يعاملن كمومسات" غير أن "الدعارة الحقيقية موجودة في رؤوس الاشخاص الذين ينظرون اليهن بهذه الطريقة". وفي العام 2010، احرقت شاعرة شابة معروفة باسم عائلتها زرمينا جسدها اثر مشاجرة حادة مع أشقائها نشبت بعدما ضبطوها خلال القائها قصيدة عبر الهاتف ما جعلهم يعتقدون انها تتبادل حديثا عاطفيا مع شاب. وقد كانت زرمينا المتحدرة من ولاية هلمند في جنوب افغانستان حيث يتواجه المتمردون مع الجيش، تتلو قصيدة "لانداي" عبر الهاتف الخاص بجمعية "ميرمن بهير".
وتتخذ الجمعية مقرا لها في كابول حيث تجذب الاجتماعات التي تقام في العاصمة اساتذة ونوابا وصحفيين. لكن في المناطق المحافظة في قندهار وهلمند ترغم الشاعرات على ممارسة هوايتهن في الخفاء.
من هنا ترتدي الهواتف المحمولة اهمية كبرى لدى النساء اللواتي لا يجرؤن على الانضام الى جمعية "ميرمن بهير" على غرار هذه الشاعرة المجهولة التي تركت هذه القصيدة "عندما أخذ زوجي له امرأة ثانية تفجرت مشاعري ولم تعد نيران الجحيم تخيفني".-(أ ف ب)