حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,23 ديسمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 26904

حب الوطن على مدى الزمن

حب الوطن على مدى الزمن

حب الوطن على مدى الزمن

03-11-2010 08:18 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم :

 طبت وبوركت يا خطيب وإمام الجمعة، فلقد أوجزت فأجدت، وعبرت فوصلت، إذ أن موضوعك القيم، كان عن حب الوطن والمواطنة، وما أحوج الكثير منا لمثل هذه المواضيع الهامة، التي تنمي الوفاء في أرواحنا، والإخلاص في قلوبنا، والإتقان في أعمالنا، والفداء والتضحية من اجل أوطاننا، لا أن نظهر خلاف ما نبطن، ولا أن نرائي ونجامل بما نقول ونعمل، لذا حرى بنا أن نعمل لصالح وطننا، لا أن نكون أدوات في أيدي غيرنا،ولا امعات وببغاوات نسوق و نردد أراء وافكار سفهائنا ودخلائنا اعداء بلدنا وامتنا.

 لقد بقيت كلماتك وعظاتك ياشيخي الكريم، ترن في أذاني بقية النهار، إلى أن حانت فيه ساعة الغروب وأوبة الشمس إلى مخدعها،لحظتها حلقت بفكري، وأنا انظر إلى الأفق القريب،اذ رأيت الحمام المحلق في السماء يلاعب الهواء، ويرسم حركاته على صفحات الفضاء، عندئذ قلت سبحان الخالق العظيم،من علم هذا الطائر الابجم أن يؤوب إلى عشه، بكل مهارة واتقان، يميزه من اعالي السماء من بين كثير من المواطن وآلاف ألاف المساكن، فيحط في عشه الدافئ الصغير، علما انه يستطيع الهبوط في أماكن أخرى، تكون أجود غذاءا، وأكثر ماءا، وأجمل بناءا، وأفضل سكنا ومستراحا، ولكن حبة لوطنه ومكان مولده (عشه)، وان كان اقل من غيره، وأسوأ واجدب في خيره، لكنه يعود إليه هذا الطائر الوفي مرفرفا جذلا، فرحا، ليفحص برجليه اعواده الدافئه فيهدأ وينام. لقد فتقت يا شيخي العزيز، مكامن أفكاري، وقدحت زناد عقلي، حول سر حب الوطن، فها نحن ندرك قدرة الله وحكمته، في عودة الدواب والأنعام، وحتى الوحوش الكاسرة في الغابات والآجام، وفي الجبال والصحاري وما تحويه من نحل وزواحف وهوام، كل يعود إلى مسكنه ومكمنه ومأمنه، فسبحان من علم الحيوانات العجماوات حبها وانتمائها لمسكنها وأماكن توالدها،وهذا مايجسد حبها لوطنها، وهذاما يجعلها أن تميزه وتعرفه فتهتدي إليه دون مرشد ودليل.

 من المعروف للجميع أن هنالك مثالا اعم واشمل على ذلك، وهو ان كثيرا من أبناء الوطن المجاهدين المكافحين في الحياة، يتركوه على مضض وبمنتهى الحزن والالم، رغبة منهم في السعي لجلب الرزق العميم للعيش الكريم، أو حبا في الدراسة والتعليم، أو تنفيذا لأداء مهمة أو وظيفة، أو لغاية تجارة أو علاج واستجمام، مع هذا وكله يبقى الوطن الغالي المفارق هاجسهم الأول، تتراقص صوره وأماكنه ومعالمه، أمام عيونهم، يجترون على مدار الساعة ذكرياته، ويتمنون سماع أخباره وحكاياته، إنها الفطرة الطاهرة العفوية المزروعة، في شغاف القلوب، وحبات العيون، وكم تسمعهم يرددون الرغبة والتوق والشوق، للعودة إلى الوطن الحبيب، للتلذذ بدفيء حنانه، والتنفس بلطيف انسامه، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة، وكيف لا وهو الذي كان قلبه الطاهر النقي الكبير، يهفو في كل وقت وحين، للعودة إلى مكة مسقط رأسه ومهد مولده ومدرج طفولته، ومن منا لا يعرف ميسون الكلبية البدوية العربية، وقصتها مع حبها لمرابعها وخيام قبيلتها، وعزوفها عن القصور المنيفة، والحياة الرغيدة كلبس الشفوف وتناول أطاييب الطعام، ورغبتها في العودة إلى موطنها للبس العباءة وتقشف العيش.

 وهنا اسمحوا لي أن اذكر قصة في عصرنا الحديث تكاد تشابه هذا الحب للوطن, وها أنا ارويها عن سيدة فاضلة أردنية كركية من بلدة ادر اسمها " عدلا المدانات" حفظها الله، وهي امرأة عصامية بنت نفسها وثروتها الطائلة، من عرق جبينها وكد يمينها، فلقد هاجرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عام 1960م للعمل في القطاع الصحي هناك، وقد تزوجت من رجل أمريكي مرموق، أنجبت منه أبناء لامعين بارزين على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية، وقد التقيتها بالصدفة في ولاية فرجينيا أثناء تواجدي في دورة عسكرية عام 1983م، وعندما عرفت أنني من الأردن ومن الكرك بالذات، دعتني ودعت كل الضباط العرب المتواجدين في الدورات العسكرية في نفس الولاية، إيمانا منها أن ذلك تكريما لأردنها الغالي التي تحافظ على سمعته وكرامته، وللحقيقة أنني رأيت وطني في شخصيتها وقوتها، وقد أقسمت علي بأغلظ الإيمان، أن يكون بيتها الكبير، بيتي وبيت كل أردني وعربي،وهو واسع المساحات محاط بالغابات، نصبت فيه بيت شعر ووضعت فيه الدلة والمهباش، والى جانبه زريبة الغنم المعدة لذبائح الضيوف،وهنا اذكر أنها قالت لي في إحدى التعاليل التي كنت أهواها عندها بالحرف الواحد، وباللهجة المحكية الكركية الصرفة، حيث لم تبدلها الأيام والسنين، وذلك لحبها لبلدها ولغتها: بتعرف يا أبو هيثم ويش أمنيتي في أخر حياتي، أن متت أن يدفونني عند مغارة سالم " العميان" المعايطة في ادر الكرك، أدركت لهفتها لعودتها لوطنها وعشقها لتراب قريتها، بالرغم من عيشها وحياتها في زخارف وبهارج وحضارة أميركا، فها أنت تلاحظ رغبتها في أن تودع جسدها في أحضان تراب بلدتها، فتنام مطمئنة، أمد الله في عمرها، ورحم والدتي رفيقة عمرها في طفولتها.

 أن حب الوطن لا يقدر بثمن، ولا يوصف بكلمة، أو يترجم بقصيدة، أو يكتب بقلم، لأنه شيء روحي ومعنوي، يمثل التضحية والفداء والإخلاص والانتماء، لحبات ترابه ولقيادته الهاشمية التي جاءت له هبة من السماء، في ظل مولانا أبا الحسين سيد الملوك والأمراء، وقدوة العلماء والحكماء، وأب الضعفاء والفقراء، ونبراس العمل والعمال والخلصاء، حفظه الله انه سميع مجيب الدعاء. لذا حرى بمرشحينا للانتخابات الحاليه ومواطنينا الناخبين الكرام ان يدركوا ان حب الوطن ليس مصلحه نفعيه او شخصيه او ماديه وان الوطن اكبر من المصالح والغايات ، والتصريحات والشعارات ،التي تخلو من الواقعيه والمصداقيه، وان حب الوطن هو الباقي على مدى الزمن يدركه ويعرفه المخلصون المؤمنون المنتمون لترابه وقيادته الهاشميه الملهمه .

 

Ameen_naji_7701@yahoo.com








طباعة
  • المشاهدات: 26904
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
03-11-2010 08:18 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم