12-04-2016 01:36 PM
بقلم : د. زيد سعد ابو جسار
عندما كلف الرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة الخالدة ،عمل بكل جهد لإخراج العرب من حياة الأعراب إلى مفهوم الأمة التي تقوم على المبادئ وسبل العيش ،من خلال كلمة التوحيد والاعتقاد بها حيث مكنتهم من قيام نواة امة بين الأمم الحاضرة في ذلك التاريخ ،ومكنتهم من نشر الرسالة التي وجدت قبولا عند غالبية الشعوب كونها من المستضعفين المستعبدين،وذلك لمبادئها في تحرر فكر الإنسان من عبودية النفس والجهل دون المساس بهوية الانتماء لأوطان تلك الأمم .......
التاريخ دائما ما يعيد نفسه ،لحقيقة الصراع عند الإنسان صراع بين الفكر للتحرر والنفس للخنوع ،وصراع بين الناس صراع الحق الذي يحرر الفكر والجهد مع الباطل الذي يستعبد الفكر والجهد عند الإنسان،لهذا فان الرسم البياني لتاريخ الأمة مع نفسها كان متذبذبا بين الفكر والنفس ولهذا فان الجهاد الأعظم هو جهاد النفس بالفكر المستمد من العقيدة ،وهذا الذي بدء الإسلام به أما لجهاد الأصغر فكان من النخبة التي انتصر فيها فكر التحرر على خنوع النفس حيث حررت الشعوب المستضعفة وهي السواد الأعظم من فرض العبودية عليها ، حتى يكون الإنسان حرا في اختياره وفي مجاهدة نفسه ،الجهاد الأعظم( لا إكراه في الدين) وهذه من أسباب انتشار الإسلام منذ بدايته إلى يومنا هذا مع ما يسمى بالحضارة المادية الربوية التي استعبدت الفكر بالتضليل والهيمنة مكنتها من استعباد القلوب والأنفس وبالتالي استعباد الجسد وجهده حتى المتاجرة بجسد المرأة .........
مشاهد عديدة مشرفة في حياة الأمة كانت بوجود العقيدة والولاء لها ، حيث منحتهم الكرامة في أوطانهم وحب الدفاع عنها ،فحب الوطن بالانتماء إليه لا يكون إلا بعقيدة لأنها تمنح القوة والثبات والتضحية ،لهذا توالت هزائم الفزعات القومية في حروب العرب مع الكيان الصهيوني، وذلك لغياب العقيدة الصحيحة من حياة الناس لظروف يعلمها الجميع حيث الجهل بها تزامن مع آخر عقود الحكم العثماني أقول حكم وليس خلافة كون الحكم فيها وراثي وليس مبايعة،وهذا يتناقض مع مبادئ الخلافة الإسلامية،ولهذا مرض حكم الرجل العثماني لغياب العقيدة وما تحث عليه من وحده الفكر العقدي في الاختيار والترابط والانتماء،(فالخلافة الإسلامية الحقيقية خلت من الصراع على الحكم حيث كانت فقط في ظل الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم من قبائل مختلفة )،ولهذا قسم الوطن لدويلات ليس لها مقومات الدول ،وحتى هذه الفزعات القومية تم محاربتها وإضعافها من خلال توظيف الدين في السياسة ليستمر التناحر بين من ادعوا القومية بشعار أحزابهم ومن وظفوا الدين للسياسة إلى يومنا هذا، وللعلم فان الصحيح هو أن الدين هو من يوظف السياسة لمفهومه كما أن الدين هو من يوحد القوميات ،وكلاهما يتناقضان مع مفهوم الدين الإسلامي ومخرجات هذه الأفكار السلبية وتأثيرها ما نشاهدها في واقعنا الحالي ..........
في ظل الأخطار والمؤامرات التي نشاهدها نتيجة غياب العقيدة وفهمنا الخاطئ لها ،والتي أصبحت تهدد الإنسان العربي في الداخل ،لا بد من قراءة هوية تاريخ الأمة تاريخ بداية نهضتها ونهوضها من جديد عند كبواتها فهذا هو الطريق الصحيح الذي يخلص القلوب التي تشربت القطرية ومشاعر الأنانية لها ،ويخلصها من لعنة الفتن التي تذهب الأرواح وتقسم المقسوم ، تاريخ يوجه به هذا الجيل الباحث عن طريق الخلاص من معاناته وضياعه وعدم تضليله في البحث عن هوية عقيدته فالهوية هي أعظم ما تمتلكه الشعوب وتعتقد بها وان كانت عقيدة وضعية لأنها توظف فطرة تحريك مشاعر الحب والغيرة والوحدة والتضحية في تحقيق الإرادة وهذا مشاهد من خلال تقديس الأسماء والرايات والنشيد الوطني عند الأمم الأخرى .............
يدل ذلك على إننا أناس أصبحنا بين الأمم بدون هوية وعقيدة عندما تلاعبنا بها حتى أصبح الوطن من أطلال الماضي وبلاد العرب أوطان ،وذلك حينما أصبح القران دستور عقيدتنا يقراء عند مآتم الأموات ،وعند دعايات الماكياج ومنشطات الجنس ،ومشدات الأرداف ،ودين الدول الإسلام في دساتيرها التشريعية الوضعية مع العلم أن معنى الدين هو التشريع(كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك)،لهذا فان واقعنا الفوضوي الذي نعيشه هو من مخرجات التناقضات والتي تدل على غياب الفكر العقدي ،فأصبح الإنسان عبارة عن نفس خانعة مما سهل على الآخرين مهمة توجيهه واستعباده .....
إن من يبحث عن الخروج من هذه الأخطار التي صنعتها الأنفس ليس بحاجة بدايتا للمال فهذه مجرد شراء لذمم الأنفس المحبة للمال ،ولا للجيوش التي تزيد الفرقة بالكره والحقد،لهذا فان الخروج من هذه المحن لا يكون إلا من خلال العقيدة التي تخاطب العقل بفكرها ، والعمل بالأسس التي تقوم عليها وهي العدل والحرية واحترام الإنسان وعرقه حتى يصبح الولاء للعقيدة التي تحرك مشاعر الحب ،والغيرة والوحدة والعزيمة والتضحية وجميعها مفقودة لهذا لا يمكن المراهنة على شعوب مضللة استعبد فكرها وأصبحت بدون عقيدة ،إن الرسالة قامت على رجل واحد وذلك لطهارة قلبه ونفسه وفكره التي طهر بها جسده ،مكنته من إخلاص الفكر والعمل الذي ليس لشياطين الإنس والجن عليه من سبيل، لهذا نجح صلى الله عليه سلم في صنع معجزة امة تضحك وتتعظ من أطلال ماضيها ..........