18-04-2016 02:52 PM
بقلم :
الماضي وإن كثرت حوادثه فهو في الذاكرة الإنسانية لا شيء ؛ والقادم سيصلنا بسرعة وسيمر بسرعة وسيمضي بعدها ليكون لا شيء ...
كبار السن يذكرون دائما” الحوادث التي واجهوها خلال طفولتهم وفي شبابهم ، وهم في الغالب يترحمون على كثير ممن رافقوهم أحداث تلك القصص ؛ ثم أصبحوا في عداد الأموات ...
يترحم كبار السن على كثير„ ممن عايشوا قصصهم بقولهم : كان معنا ( فلان ) ـ رحمه الله ... أو رافقنا في سفرنا وذهب معنا في عمرتنا أو في حجتنا ( فلان ) ـ رحمه الله ... أو يقولون :ساعدنا ( فلان ) ـ رحمه الله ... إلخ .
... وإن كثر عدد الأموات المذكورين في قصص شباب وطفولة الإنسان ، فعليه أن يتلمس نفسه فإن أجله بات قريبا” ... !
خلال رواياتهم لقصصهم ، نجد كبار السن يكررون الترحم على أموات تلك القصص ؛ وعلى الفور يبادر أحد الحضور إلى القول : الله يرحمه ... فيرد المتحدث المسن عليه : تعيش ؛ تعيش ... وبعض من كبار السن يردون بقولهم : تعيش وتترحـــــم ... !!!
هذه العبارة الاخيرة : ( تعيش وتترحـــم ) ؛ استوقفتني كثيرا في المجالس والدواوين ؛ وقلت دائما” في نفسي : من هو الذي سينجو من سهام الموت ليبقى مترحما” على المتساقطين أمامه ومن حوله ... ؟!
( تعيش وتترحم .... !!! ) ... دعوة وأمنية لم يظفر بها أي إنسان ؛ فحتى الأنبياء والرسل ذهبوا جميعا” ولم يخلدوا ليترحموا على غيرهم فقط ... ؟! يقول تعالى : كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام .*.. ويقول تعالى : إنك ميت وإنهم ميتون * ( صدق الله العظيم ) .
وعندما يكرر كبار السن في أحاديثهم : بالأمس كنا ... وبالأمس فعلنا وعملنا ... وبالأمس ... وبالأمس ... يتعجب الطفل الصغير ويقول بدهشة„ : ما بال هذا العجوز يردد : بالأمس وبالأمس ... وهو يذكر لنا قصصا” مر عليها خمسون أو ستون عاما” ... !!! لكن هذا الطفل الصغير سيدرك عندما يشيب ويكبر ؛ وسيعلم عندها بأن الحياة ومضة ؛ وبأن الماضي في الذاكرة الإنسانية لن يتعدى : يوما” أو بعض يوم ...
إن تجاوزتنا سهام الموت اليوم فهي غدا” لن تخطئنا ، سيزونا هادم اللذات ومفرق الجماعات ومشتت العوائل والأسر ؛ سيزورنا مقطع الأوصال ومحطم الآمال ودافن الأحلام ، سيزورنا ميتم البنين والبنات عندما يحكم القدر ...
فالموت هو خط للنهاية ستطأه أقدام الجميع منا ؛ الغني والفقير والكبير والصغير والصحيح والعليل والمؤمن والكافر ... وسيفارق الناس أقربائهم وأحبابهم وأصدقائهم رغم أنوفهم ... وسيحملون على الأكتاف بلا همس ليواروا الثرى وليكونوا بعدها غذاء” لدود الأرض ...
لو إمتلأ ماضينا بالمآسي والأحزان أو غمرته المسرات والأفراح ؛ فهو في الذاكرة الإنسانية لن يتعدى : اليوم أو بعض يوم ... !!! فحقيقة المنتهي والمنقضي ؛ أنه لا شيء ؛ وحقيقة الماضي أنه يوم أو بعض يوم ... وكل قادم وكل حدث مستقبلي سيأتينا سريعا” جدا” ؛ وبعد يوم„ أو بعض يوم„ ... والموت حدث مستقبلي سيداهمنا بعد يوم„ أو بعض يوم„ ؛ ولكن الشيطان يمني الناس بالحرص وبالآمال والأحلام فيعتقدون بأن العمر مديد مديد وبأن الموت بعيد بعيد ...
ولكن الحقيقة معكوسة تماما” : فالحياة قصيرة قصيرة والموت قريب قريب ...
إن تشبث الناس بدنياهم عجيب وغريب ، وأغلب الناس ينسى بأن الدنيا دار للمرور وجسر للعيور ... ، فترى آمال الناس تكبر وتتجدد في كل يوم„ وساعة ... !!! ويعيش الإنسان وكأنه االمخلد في دار أفنت أمم قبله !!! وأمثال هؤلاء لم يدركوا حقيقية هذه الحياة ؛ فدائما ينقلك ربك من المرحلة الأصغر إلى الأكبر ؛ ومن العالم الأضيق إلى العالم الأوسع ؛ أنت كنت قبل خلقك لا شيء ، ثم أصبحت جنينا” في بطن أمك الصغير ، وبعد الولادة نقلك خالقك إلى عالم الدنيا الأكبر والأوسع ، وسينقلك مولاك وربك بعد الموت إلى الحياة الآخرة الأبدية وإلى العالم الأوسع ... هذه هي حقيقة الموت والحياة ؛ فعلينا أن نعد العدة وأن نعمل لحياتنا الأبدية ولعالمنا الأكبر ... وعندما سأل الخليفة عمر بن عبد العزيز جلساءه : من هو أحمق الناس ؟ فقالوا : من باع آخرته بدنياه ... فقال لهم : صحيح ؛ ولكن هناك شخص أحمق منه ؛ وهو الذي يبيع آخرته بدنبا غيره ... !!!
ورد أن ابليس اللعين قال لمن حوله : أهلكت الناس بالحرص وطول الأمل وأهلكوني بالاستغفار ... ورب العالمين الذي خلق الناس وأودع فيهم الأرواح لفترة من الزمن ؛ سيسترد وديعته بعد الموت ، وسيحقق العدل والإنصاف في الآخرة ؛ فلا دوام للظلم في شريعة الله ، وسيكرم الله المؤمنين الصابرين بالنعيم المقيم : وسيعذب الظالمين والكافرين والمشركين بالويل والجحيم ...
نسأل الله تعالى الرحمة بالمؤمنين والمؤمنات ؛ ونسأله تعالى النصر والتمكين لهذه الأمة المبتلاة ، ونسأله تعالى الرحمة والرأفة بالمستضعفين وبالمظلومين من هذه الأمة التي تكالبت عليها الأمم تكالب الأكلة إلى القصعة ... ولكن الله للكافربن بالمرصاد ؛ إنه الأرحم بعباده وهو الأعلم بشئون خلقه ؛ وهو القوي العزيز ، وهو الغفور الودود ، وهو الرحمان الرحيم ...