حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,23 نوفمبر, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 32426

قراءة في مشروع التعديلات الدستورية

قراءة في مشروع التعديلات الدستورية

قراءة في مشروع التعديلات الدستورية

20-04-2016 03:20 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : الدكتور مهند صالح الطراونة

تابع الأردنيون قرار مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة يوم الأثنين المتضمن تقديم مشروع لتعديل نصوص المواد (40 ، 50 ، 69 ، 127 ) من الدستور الأردني ، وإرساله على وجه الاستعجال للسلطة التشريعية حتى يبت فيه ، أرى أن هذه التعديلات جاءت منسجمتا مع نصوص الدستور ومعززة لاستقلال السلطات في الدولة وخاصة تلك المتعلقة في السلطة القضائية ، وهنا اود أن أشير إلى رأينا الخاص في نص المادة ( 40) من الدستور في صورتها المعدلة الجديدة التي تشير إلى الصلاحيات المناطة لجلالة الملك في التعيين المنفرد دون اللجوء إلى قاعدة التوقيع المجاور ، ولما لهذا الموضوع من أهمية في النظام البرلماني الأردني وقد دار حوله نقاش دستوري وسياسي حول هذه الصلاحيات ، وودت هنا أن أشير إلى هذا الدور قد إعتراه في كثير من الأحيان بعض الغموض وعدم الوضوح ، وقد تعددت الآراء بالطبع فهناك الآراء السياسية حول هذا المنصب وهناك الآراء القانونية الدستورية وعليه فإنني في هذه العجالة سوف أشير إلى رأي الفقه الدستوري بهذا الشأن .
إن المستعرض للشكل الدستوري لنظام الحكم في الأردن يجد أن الدساتير الأردنية جميعها من الدستور الأردني الصادر عام 1927 م إلى دستور 1952م وصولاً إلى الدستور الأردني بصورته الأخير عام 2011م قد تبنت النظام الملكي ، وقد تبنت في ذلك قواعد النظام البرلماني البريطاني ، الذي يقوم عل أساس مبدأ الفصل بين السلطات بصورته المرنة ، حيث تمتاز العلاقة بين السلطات في الدولة وخاصة السلطتين التنفيذية والتشريعية بأنها علاقة قائمة على التعاون والتوازن ، وقد جاء ذلك بناء على منطوق نص المادة 24 من الدستور الأردني والتي تنص على ( 1- الأمه مصدر السلطات 2- تمارس سلطاتها على الوجه المبين في هذا الدستور ) وكذلك ورد في نص المادة 25 من الدستور ( تناط السلطة التشريعية السلطة التشريعية في مجلس الأمه والملك ، ويتألف مجلس الأمه من مجلسي الأعيان والنواب ) وكذلك نص المادة 26 منه ( تناط السلطة التنفيذية بالملك ويتولاها بواسطة وزرائه وفق لأحكام الدستور ) ، وجاء في نص المادة 27 من الدستور ( أن السلطة القضائية تتولاها المحاكم على إختلاف درجاتها وأنواعها ودرجاتها وتصدر جميع الأحكام وفق القانون باسم الملك ) .
وعليه وإستنادا إلى النصوص الدستورية السابقة وغيرها من النصوص نجد أن الصلاحيات المناطة الملك تتنوع ما بين اختصاصات إدارية يمارسها الملك بإعتباره رأس الهرم الإداري في الدولة ورئيسا للإدارة العامة فيها ، وهذا النوع من الاختصاصات تشترك معه سلطات أخرى في صدورها ، أي أنها تكون مشروطة بصدور قرار من إحدى الجهات الرسمية ، حيث يرفع القرار إلى الملك للتصديق عليه متى تطلب الدستور أو أي قانون أو أي نظام ذلك ، اما النوع الثاني من وهي الصلاحيات ذات الصبغة السياسية يلاحظ فيها أن الملك ينفرد في قراراته ، وهذا أمر معمول به في معظم الأنظمة الملكية الوراثية وقد سماها الفقه الدستوري في الأوامر الملكية وهي نوع من القرارات الإدارية التي تصدر من قبل الملك بصفته رئيسا للدولة دون أن تكون مشروطة بصدور قرار من إحدى الجهات الرسمية كمجلس الوزراء على سبيل المثال ، وعليه فإن مشروع التعديلات الدستورية الأخير واخص بالذكر هنا تلك المتعلقة بإختصاصات الملك في تعيين ولي العهد ونائب الملك ورئيس أعضاء مجلس الأعيان ورئيس و أعضاء المجلس القضائي ورئيس و أعضاء المحكمة الدستورية ، وقائد الجيش ومدير المخابرات ومدير الدرك دون تنسيب من رئيس الوزراء أو الوزير المختص أتت منسجمتا مع هذا النوع من القرارات الإدارية ، أتت منسجمتا مع هذا النوع من القرارات الإدارية وأرى أن في إنفراد الملك في هذا النوع من القرارات يشكل مزيدا النتجانس في مؤسسة الحكم ويمنح هذه المواقع والسلطات التابعة لها مزيدا من الإستقلال.

ولعل التفسير الملائم لذلك كله يكمن في النظر بشكل الحكومات الملكية والتي تتسم بعدة سمات أهمها الطابع الوراثي للحكم الأمر الذي جعل من المركز الأعلى في الدولة (الملك ) بمنأى عن المناكفات السياسية والحزبية، وهذا ما أكد عليه الفقه الدستوري أن أكثرالحكومات إستقراراً تلك التي يتسم فيها رأس الحكم بالتجانس أي أن يكون بعيداً عن كل ما فيه تزاحم على الحكم ،مما أدى إلى جعل مركز الملك بالحكومات النيابية المليكة عامل إستقرار في الدولة تتجسد فيه معاني الديمقراطية الحقيقية وصمام أمان لوحدتها الوطنية، ولعل الناظر إلى المشهد السياسي الأردني يجد أن القرارات الملكية الهامة قد جاءت معبرة بمعضمها عن حس الشعب ونبضه الحقيقي فعندما يستخدم جلالة الملك صلاحياته الدستورية بحل برلمان أو إقالة أي حكومة غير مرضي عنها من قبل الشعب فهو في عمله هذا قدعبرعن حس الشعب ونبضه وتلك هي الديمقراطية الحقيقة والأمثلة كثيرة على ذلك
وهذا مايسمى في الإنسجام الرمزي المرتبط برمزية وشخصية المركز الأعلى في الدولة والتي تتجسد بشخصية الملك كعامل للإنسجام والرمزية التي يتفق عليها أفراد الدولة على أساس أن الملك للجميع وملاذ للجميع ورأسا للهرم الإداري في الدولة وراساً للسلطات الثلاث .
ومن الجدير بالذكر الإشارة هنا إلى راي الفقه الدستوري في إنفراد الملك ببعض القرارات ودور هذه الصلاحيات في تحقيق الديمقراطية والإنسجام السياسي في منظومة العلاقة بين السلطات - ولعلنا نتفق مع كثيرمنه -حين بين أن الحكومات الملكية قد لعبت دورا هاما في تحقيق الديمقراطية فالملك الذي يتمتع بالولاء من قبل الشعب ويهتف بإسمه يأتي من الوعي الذاتي لشعب الدولة و إيمانهم الخالص بأن الملك يجسد الوحدة السياسية للشعب مثل إحترامه للعلم الذي يعتبر قطعة قماش إلا أنه يعتبر رمز للدولة وله إحترام كبير في رمزيته ، ويرى الفقيه الدستوري الفرنسي ( باحوهوت )أن الملك يشكل إطارا عاما للنظام السياسي ولابد أن يقف خارج نطاق الخصومات والمنازعات ، كما أن مؤسسة العرش من منظور إجتماعي تجعل من الملك مترأسا للدولة وحصننا لها ،ويقوم بدور الضابط والحكم بين سلطات الدولة المختلفة ، وهذا ما يقصد به بسمو سلطة رئيس الدولة (الملك ) ولانقصد هنا بسموالسلطة الإنفراد بها الذي يؤدي حتماً إلى الديكتاتورية ، وإنما سموه في المركز بين سلطات الدولة والذي من خلاله يلعب دوراً هاماً في تحقيق أكبر قدر ممكن من الوحدة الوطنية والديمقراطية ،ففي مركزه هيبة لمؤسسة الحكم وثباتا وإستقرارا للنظام ، فعندما يهتف الشعب بالولاء للملك _ وبغض النظر عن السمات الشخصية التي يتحلى بها الملك _ هم على يقين أن في شخصية الملك رمزاً لهم وعنواناً للدولة ،ونحن في الأردن نحمد الله إذ منّ علينا بقيادة هاشمية عربية أصيلة إرتبط إسم المملكة بها كأعرق السلالات الملكية في العالم لإستنادها لسيد الخلق وسيد البشريه نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم شرعية تاريخية ودينية ودستورية.

واما مايتعلق في الصلاحيات المناطة للملك و التي ترتبط بعلاقته مع السلطة التشريعية وخاصة إقرار التشريعات يلاحظ أنها ليست صلاحيات مطلقة بل مقيدة وجاءت متفقة مع مبدأ أن الأمة مصدر السلطات ، وإن مايؤكد هذا الأمر الفقرة الثالثة والرابعة من منطوق نص المادة (93) من الدستور الأردني يتضح له ذلك حيث نصت المادة على أنه اذا لم ير الملك التصديق على القانون فله في غضون ستة اشهر من تاريخ رفعه اليه ان يرده إلى المجلس مشفوعاً ببيان اسباب عدم التصديق. و اذا رد مشروع اي قانون (ماعدا الدستور) خلال المدة المبينة في الفقرة السابقة واقره مجلسا الأعيان والنواب مرة ثانية بموافقة ثلثي الاعضاء الذين يتألف منهم كل من المجلسين وجب عندئذ اصداره وفي حالة عدم اعادة القانون مصدقاً في المدة المعينة في الفقرة الثالثة من هذه المادة يعتبر نافذ المفعول وبحكم المصدق فاذا لم تحصل اكثرية الثلثين فلا يجوز اعادة النظر فيه خلال تلك الدورة على انه يمكن لمجلس الامة ان يعيد النظر في المشروع المذكور في الدورة العادية التالية، وبناء عليه يمكن لنا القول أن تصديق الملك على التشريعات ليس تصديقا مطلقا وإنما كان إعتراضاً توقيفياً ،أي أنه موقوف على موافقة السلطة التشريعة ، وبهذا فإن الدستور الأردني قد منح السلطة التشريعية صلاحيات مهمة جداً وأعطاها الكلمة الفصل في إصدار أي تشريع نافذ كونه صاحب الإختصاص الأصيل للتشريع لكن المتمعن في المشهد السياسي الأردني يجد خلاف ذلك وأن هنالك فجوة بين النظرية والتطبيق فهنالك تراجع كبير في عمل السلطة التشريعية في السنوات الأخيرة الماضية وكان هذا التراجع على حساب السلطة التنفيذية ، محصلة القول لقد ساهمت الصلاحيات الممنوحه لمركز الملك في الدستور الأردني بترسيخ النهج الديقراطي في الدولة الأردنية وأعطت النظام الأردني مزيدا من الإستقرار في الحكم ومزيدا من التجانس حيث أضحى من أكثر الأنظمة إستقراراً بين دول العالم.




وأخيرا مايتعلق في المقترحات الدستورية الخاصة في إنفراد الملك في تعيين رئيس المجلس القضائي وأعضائه ،ورئيس المحكمة الدستورية واعضائها ، نرى أن في هذا المقترح قد جاء ت منسجمتا مع ومباديء النظام البرلماني القائمة على أساس إستقلال السلطات ، ونتفق مع ماذهب إليه الراي الدستوري للفقيه( جلنك ) القائل أن الملك في النظام البرلماني هو العضو القضائي الأول في الدولة كونه رئيس السلطة القضائية والأحكام القضائية تصدر من بإسمه ، وما القضاة إلا وكلاء أو ممثلو الملك على حسب رايه ، ونرى بهذا الشأن أن أنسب الأوضاع لتعيين رئيس المجلس القضائي والأعضاء في الأردن لا إلا عن طريق الملك مباشرة دون أن يشترك مع الملك أي سلطة في التعين ، وهذا بالطبع لا يعني أن الملك يملك كل السلطات بلا حدود ،وإنما يستمد إختصاصاته هذه من النصوص الدستورية والقانونية التي جميع هذه الصلاحيات ، وقد أكد الدستور الأردني أن الملك له الحق في المشاركة في تعيين ونقل وترقية القضاة وعزلهم وهذا كله من اجل الحفاظ على حسن تطبيق القواعد الدستورية ، خلاصة القول أن مجمل الإختصاصات المناطة لمركز الملك القانوني في الأردن جاءت حفاظا على الدستور وأضفت مزيدا من الاستقرار والتجانس لسلطات الدولة ولمؤسسة الحكم وهي الركيزة الأولى والأساسية للنظام السياسي الأردني ولحقوق الأفراد وحرياتهم ، وتتم من قبل الملك الذي يعتبر حكما عدلاً وملاذا آمننا لكل السلطات تلجأ إليه في حال تغولت سلطة على سلطة أخرى ،إضافة إلى ما يشكله هذا المركز من نقطة إلتقاء بين السلطات ، وكما ذكر الفقه الغربي أن الديمقراطية تقاس بمدى تجانس وتناسب رأس الحكم مع السلطات في الدولةلإغذا كان رأس الحكم للجميع وبعيد عن أية مناكفات سياسية يحسن عمل السلطات وتمنحها هذه الصلاحيات مزيدا من الإستقلال .
وختاما وددت أن أقول في نهاية حديثي لسيدي صاحب الجلالة نحن أبناء الأردن البررة جندك و نقول لك كما قال سيدنا سعد بن معاذ لسيدنا محمد علية أفضل الصلاة والتسليم والله لو خضت بنا البحر لخضناه معك ما تخلف منا رجل إمضي جلالة الملك ونحن خلفكم ومعكم وجندكم ولن نخذلكم ودوما رافعين الراس بكم .

Tarawneh.mohannad@yahoo.com








طباعة
  • المشاهدات: 32426
برأيك.. ما خيارات ترامب للتعامل مع إيران بعد فوزه بانتخابات الرئاسة الأمريكية؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم