23-04-2016 10:26 AM
بقلم : د.بكر خازر المجالي
قصة وحدة الضفتين بدأت مع نهاية حرب فلسطين 48 ، وفي الاصل ان تكون الوحدة اولا ما بين جناحي فلسطين الضفة الغربية وقطاع غزة ، ولكن كانت الاسباب سياسية لما افرزته حرب فلسطين جعلت اهل الضفة الغربية يتجهون للوحدة مع الاردن ، بعد ان عاشت فلسطين سنوات الانتداب في ظل قمع غير مسبوق منع تكوين اشكال الدولة وبناء المجتمع سياسيا واقتصاديا والحرص عن اي عسكرة كانت للمجتمع الفلسطيني والاكتفاء بقوة بوليسية كانت تحمل اسم بوليس فلسطين.
بدأت المشاورات بين اهل فلسطين للوحدة مع الاردن وتوجت بمؤتمر اريحا الذي انعقد في القصر الشتوي برئاسة الشيخ محمد علي الجعبري رئيس بلدية الخليل واجماع اهل الضفة الغربية على الوحدة مع الاردن .
بعد هذا القرار التاريخي بدأت الاستعدادات لاعلان الوحدة بعد ان تمضي بقنواتها الدستورية وبعد اجراء الانتخابات النيابية في الضفتين والتي تمت في منتصف شهر نيسان من عام 1950 ، ثم ليلتئم المجلس النيابي بشقيه وبضفتيه في 24 نيسان 1950 وليكون قرار الوحدة هو اول قرار يتخذه هذا المجلس ويصادق عليه جلالة الملك المؤسس عبدالله الاول .
قرار الوحدة وقوبل برفض واستنكار عربي شامل باستثناء مملكتي العراق واليمن ، وعدم موافقة عالمية عليه باستثناء بريطانيا والباكستان ، وصمد قرار الوحدة بفضل قناعة الشعبين ومعرفة حقيقة الموقف الاردني وكذلك لطبيعة العلاقات الشعبية والاسرية والثقافية الاردنية والفلسطينية .
وبعد 66 عاما على هذه الوحدة لا زلنا ندرك انه لم يشهد العرب اية وحدة حقيقية بين صفوفهم مثل هذه الوحدة ، ورغم فك الارتباط القانوني والاداري مع الضفة الغربية في 31 تموز 1988 الا اواصر العلاقات الاخوية الواحدة بين الفلسطينيين والاردنيين تسمو على كل اشكال القرارات التي هي سياسية مغرضة تستهدف الدور الاردني المشرف ومصداقيته وعظيم تضحياته.
بعد هذه السنين ادرج تاليا قرار الوحدة ونص خطاب العرش في اول جلسة ضمت ممثلي الشعبين .
يوم تاريخي
حمل اعضاء مجلس الامة وثيقة قراره التاريخي بوحدة الضفتين الى قصر رغدان العامر وعرضوها على جلالة الملك المعظم بحضور اعضاء مجلس الوزراء فأستأذن جلالته الاعضاء بتوقيعها فقوبل هذا التلطف السامي بهتاف الاعيان والنواب جميعا وتم التوقيع في الساعة الخامسة من بعد يوم الاثنين الواقع في 7 رجب سنة 1369[هـ] الموافق لتاريخ 24 نيسان سنة 1950 [م].
وايذانا باكتساب هذا القرار التاريخي صفته التنفيذية اطلقت المدافع احدى وعشرين طلقة ثم تولى معالي وزير الخارجية تبليغه الى الدول العربية الشقيقة والدول الاجنبية والصديقة .
في الساعة العاشرة من صباح يوم الاثنين الواقع في 7 رجب سنة 1369هـ الموافق لتاريخ 24 نيسان سنة 1950م . افتتح مجلس الامة الاردني دورته فوق العادة بتشريف حضرة صاحب الجلالة الهاشمية الملك المعظم - ايده الله - الى قاعة المجلس بالمراسم المعتادة وبعد ان تفضل جلالته بتسليم خطاب العرش السامي الى فخامة رئيس الوزراء سعيد باشا المفتي بدأ المفتي فخامته بتلاوته وهذا نصه :
خطاب العرش
بسم الله الرحمن الرحيم
حضرات الاعيان ، حضرات النواب ،
احمد الله الذي لا اله الا هو ، الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن ، واصلي واسلم على المبعوث بدعوة الحق والتوحيد خير من نطق بالضاد وحمل راية الحق والجهاد وعلى آله الطيبين وصحبة الاكرمين .
اما بعد فانه لمن دواعي الغبطة ان افتتح لاول مرة في تاريخ الحياة الدستورية الاردنية مجلس الامة وقد جمع بين ضفتي (الاردن) منبثقاً عن ارادة شعب واحد ووطن واحد.
وانها لخطوة مباركة هذه الخطوة الى الوحدة تخطوها الضفتان ويقبل على تحقيقها الشعب صاحب الشأن محمولا على التمكين لوحدته القومية وعزته الوطنية . ومصالحه المشتركة . وان الاردن لكالطائر جناحاه شرقه وغربه ، ومن حقه الطبيعي ان يجتمع شمله ويتلاقى اهله ، بل انكم لتعلمون يا اعيان الامة ونوابها ان وحدة الضفتين حقيقة قومية وواقعية اهله ، اما انها حقيقة قومية واقعية فثابت في قيام روابط اتحادية وثيقة بين الضفتين منذ عام 1923 أي منذ ثمانية وعشرين عاما . تلك الروابط الملحوظة … التي اشتملت على وحدة المصير والدفاع المشترك والارتقاء في الموانئ وتوطيد امن الحدود وتسهيل الحواجز الجمركية والسفرية على اساس وحدة المصالح والتبادل الثقافي والتشريعي مما جعل لكل من الضفتين مركزاً ممتازاً خاصاً في الضفة الاخرى . حتى اذا تخلت بريطانيا العظمى عن انتدابها على فلسطين المقتطعة من الوطن الام وعصفت عواصف النزاع (العربي الصهيوني ) كان لابد من تثبيت الحقوق العربية ودفع العدوان بتعاون عربي هام ، وان ما حصل بعد حصول قبول الهدنة الدائمة من خلاف في وجهات النظر كان سببه اغفال الواقع (الاردني - الفلسطيني) بسبب دعايات وتوجيهات مخصوصة قد كانت حكومتي وما زالت تعمل على معالجتها بالحكمة والصبر وروح المودة والثقة والصراحة التامة والاخلاص المطلق سواء في مجلس جامعة الدول العربية ام بالاتصالات الخاصة مع الدول العربية الشقيقة معتمدة في هذا على ان للعرب جميعا من سلامة الفطرة ونفوذ النظر وشعور الحمية ما يكفي لاقالة العثار ووضع كل امر في نصابه وان حكومتي ترى ان قرار اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية الصادر في 12 نيسان عام 1948م لم يعد قائماً منذ قبول الدول للهدنة الدائمة واتباعهم هذا بقبول قرار التقسيم الصادر عن هيئة الامم المتحدة على خلاف ما ورد في قرار اللجنة السياسية المذكور ونحن مع ترحيبنا بفكرة الضمان الجماعي والتعاون الاقتصادي على الاسس السليمة بين الدول العربية نرى انه لا ضمان لاي شعب عربي الا بوحدته الحقيقية واجتماع اجزائه المشتتة حيثما كان ذلك ممكناً ومردوداً الى الارادة العامة وغير ناقص لعهد او ميثاق. وان الوحدة لاول اماني الثورة العربية بل هي عمود الاستقلال ووسيلة النضال ومن تخلف عنها تخلف عن كيانه ومقومات سلطانه وان الواقع (الاردني - الفلسطيني ) لحتميتها بل ليعتبرها وسيلة حياته الاقتصادي ودفاعه عن نفسه بوصفه الجبهة الامامية المترامية الحدود والمجال الحيوي لسكانه العرب منذ اقدم العهود . وان المواثيق العربية لتوجب شد ازره في كل ما يفسح له مجال الحياة ووسائل العزة والكرامة وتحقيق الاماني المشروعة .
حضرات الاعيان ، حضرات النواب ،
انه لمن دواعي الاطمئنان حقاً ان لا تيأس الامة من روح الله وان تزيدها الحوادث صقالا وايماناً بنفسها ، وان في اقبال الامة على الانتخابـات النيابية العامة اقبالاً اجماعياً في كل من الضفتين لدليل الشعور بذاتية واحدة قد استجابت لنفسها واجتمعت مبرمة في هذه الاستجابة وحدتها الضرورية ومدركة ما في استمرار التجزئة وتباين الادارات والتشريعات الى امد غير محدود بعد قبول الهدنة الدائمة من اضرار ومعنويات تنال من هذا الوطن الواحد ولا يحسها الا اهل البلاد واصحابها الشرعيون . على ان ابرام امر الوحدة ، وقد تم فعلا باجتماع هذا المجلس الموقر الممثل للضفتين مع عدم المساس بالتسوية النهائية التي تحق حق العرب في امر فلسطين سيعزز في الواقع دفاع الامة الواحدة عن عدالة قضيتها . وان حكومتي ستظل ماضية في الدفاع عن الحقوق العربية واماني البلاد في التسوية النهائية متلمسة ما وسعها ذلك توفير اسباب التعاون التام مع الدول العربية الشقيقة في كل ما يعزز هذه الحقوق والاماني مقدرة اهمية السلام الذي لن يكسب بغير الثقة والاطمئنان لرجحان كفة الحق واقامة العلائق الدولية على اساس العدل والنزاهة والوفاء بالعهود .
حضرات الاعيان ، وحضرات النواب ،
لقد اعلنت حكومتي انها ستحافظ في السياسة الخارجية على العلائق الودية مع الدول الصديقة جيمعا ، كما انها ستهدف في المنهاج الداخلي الى تعديل الدستور كما سبق ان وعدنا وذلك على اساس المسؤولية الوزارية البرلمانية مع حفظ التوازن بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية . وتنجيزاً لهذا سيصار في اثناء هذه الدورة الى تأليف لجنة خاصة من الخبراء واكفاء الحقوقيين لوضع مشروع التعديلات الدستورية على احدث الاسس وارقاها بمصلحة الامة . وان حكومتي العاملة في الوقت نفسه على توحيد القوانين مع الاصلاح المرتجى في المجال الثقافي والاداري والاقتصادي والسعي الحثيث لتوفير اسباب العمل وتحسين وسائل الزراعة ودعم الاقتصاد الوطني بصورة خاصة والعناية بمسألة اللاجئين على الوجه الذي يفسح المجال امامهم مجال العمل الوطني بصورة عامة. وستقدم لمجلسكم الموقر في هذه الدورة فوق العادة بمشروع قرار الوحدة وقانون الموازنة السنوي لعام 1950م – 1951م للنظر فيهما واقرارهما بالطريقة الدستورية .
وانني باسم العلي العظيم افتتح هذه الدورة فوق العادة لمجلس الامة الجديد وادعوكم الى الشروع في العمل سدد الله خطاكم ووفقنا بمنة وكرمه آمين .
وبعد ان انهى فخامة الرئيس خطاب العرش قام جلالة الملك المعظم بالنطق الملكي السامي التالي:
احييكم واهنئكم وآمل لكم كل خير . سرتم معي في السنين الماضية وسأسير معكم في السنين المقبلة تحت مسؤوليتكم الدستورية وبارشاداتي الابوية متمنياً الخير للوطن .
فهتف الحاضرون بحياة جلالته وغادر القاعة صاحب الجلالة الهاشمية الملك ثم عاد مجلس الامة برئاسة دولة توفيق باشا ابو الهدى فتلا الايضاح التالي بشأن مشروع قرار الوحدة .
قرار الوحدة
بعد ان اطلع مجلس الامة في جلسته المنعقدة يوم الاثنين الواقع بتاريخ 7 رجب سنة 1369 الموافق لتاريخ 24 نيسان سنة 1950م وبحث مشروع قرار وحدة الضفتين الذي قدمته حكومة المملكة الاردنية الهاشمية ، وافق عليه بصيغته وقرر رفعه الى حضرة صاحب الجلالة الهاشمية الملـك المعظم لاقترانه بالتصديق الملكي السامي وهذا هو القرار:
تأكيداً لثقة الامة واعترافاً بما لحضرة صاحب الجلالة عبدالله بن الحسين ملك المملكة الاردنية الهاشمية من فضل الجهاد في سبيل تحقيق الاماني القومية واستناداً الى حق تقرير المصير والى واقع ضفتي (الاردن) الشرقية والغربية ووحدتها القومية والطبيعية والجغرافية وضرورات مصالحها المشتركة ومجالها الحيوي ، يقرر مجلس الامة الاردني الممثل للضفتين في هذا اليوم الواقع ، في (7 رجب سنة 1369هـ الموافق لتاريخ 24 نيسان سنة 1950م ) ويعلن ما يأتي :-
اولاً - تأييد الوحدة التامة بين ضفتي الاردن الشرقية والغربية ، واجتماعهما في دولة واحدة هي (المملكة الاردنية الهاشمية ) وعلى رأسها حضرة صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله بن الحسين المعظم وذلك على اساس الحكم النيابي الدستوري والتساوي في الحقوق والواجبات بين المواطنين جميعاً .
ثانياً - تاكيد المحافظة على كل الحقوق العربية في (فلسطين) والدفاع عن تلك الحقوق بكل الوسائل المشروعة وبملء الحق وعدم المساس بالتسوية النهائية لقضيتها العادلة في نطاق القومية والتعاون العربي والعدالة الدولية .
ثالثاً - رفع هذا القرار الصادر عن مجلس الامة بهيئتيه الاعيان والنواب الممثل لضفتي الاردن الى حضرة صاحب الجلالة المعظم واعتباره نافذاً حال اقترانه بالتصديق الملكي السامي .
رابعاً - اعلان وتنفيذ هذا القرار من قبل حكومة المملكة الاردنية الهاشمية حال اقترانه بالتصديق الملكي السامي وتبليغه الى الدول العربية الشقيقة والدول الاجنبية الصديقة بالطرق الدبلوماسية المرعية .