01-02-2008 04:00 PM
هكذا سنخسر دائما قضايانا...
أعزائي الكتاب والقراء...
جئت اليوم لا كي أنوح وأولول على كوب الحليب وأسطوانة الغاز، ولن آتي على ذكر اللقطاء وأطفال الحاويات أو حوادث السير، كما أنني لن أتحدث عن العراق أو عن فلسطين ولا عن السودان أو حتى الصومال...
جئت اليوم بهدف الحوار... وبقصد التحاور معكم...
فمن الواضح جدا ومن خلال متابعتي المستمرة لا للموقع فحسب بل وللبرامج التلفزيونية التي تناقش المسائل السياسية والظواهر الاجتماعية من خلال الحوار، أقول من الواضح جدا أننا ما زلنا نفتقد إلى فن الحديث وآداب الحوار، وما زلنا عاجزين عن التحاور معا بصدر رحب وأفق واسع وفهم جاد ووعي عميق...
لا أكتب مقالي هذا للتنظير على أحد، ولا أكتبه عبثا أو رغبة مني في إضاعة الوقت ولا حتى كهاوية للكتابة، ولا أجرؤ في معرض كلامي على إصدار الأحكام لأسباب عديدة أهمها أنه أمر خارج نطاق اهتماماتي كما أنه ليس من صلاحياتي... إنما أكتبه لأن الرسالة هنا واضحة وغاية في الأهمية...
لماذا ينزلق بعض المعلّقين إلى حضيض السبّ والشتم والتقريع بل والردح أحيانا أثناء تعليقهم على مقال كاتب هنا وكاتب هناك؟
ولماذا يقفز المعلّق من على منصّة التعليق على الموضوع وفكرته، والمقال ورسالته إلى حلبة التطاول على شخص الكاتب وفكره وشخصيته وانتمائه وأخلاقه ومصداقيته؟
إن لهذه الظاهرة السلبية دلالات هامة ومؤشرات خطيرة علينا أن لا نتجاهلها أو نغفلها...
عندما نرفض أن نحاوِر أنفسنا فكيف سنتحاور مع بعضنا البعض؟
وعندما نرفض أن نتحاور فكيف سنتمكن من أن نحاور الآخرين بلغة يسهل على المتلقي استقبالها وفهمها ناهيك عن تقبّلِها والاقتناع بها؟
إذا كنا عاجزين عن الدفاع عن أنفسنا بصوت واحد وبكلمة واحدة، وإذا كنا لا نستطيع أن نكتب مرافعتنا بخط واحد وبقلم واحد، فسنخسر دوما كل قضايانا...
لمَ هو هذا العداء المتوحش لأي نقد يوجّه لنا؟
ولمَ هذه المخالب والأنياب التي ننشبها ونغرزها في وجه أي ناقد أو ناصح أو حتى صاحب وجهة نظر مغايرة؟
لمَ نُصِرّ على التشبث بالتعنّت أثناء نقاشاتنا وطرحنا لمختلف المواضيع؟
ولمَ كل هذه السلبية المقيتة أمام كل فكرة وليدة أو منهجية جديدة؟
وما الفائدة المرجوة من العصبية المقيتة لآرائنا حتى وإن كانت خاطئة ولأفكارنا حتى وإن كانت قاصرة؟
ما جدوى التقوقع في صومعة الفكر الواحد والرأي الواحد والعنجهية البلهاء والعناد البغيض غير المبرر؟
لماذا لا أُحاوِر وأتحاور وأُحاوَر؟
لماذا لا أنتقد –نقدا بناءا هادفا- ولماذا لا أُنتقد كذلك؟
لمَ لا نُقنع ونَقتنع؟ ولمَ لا نُعلّم ونتعلّم؟
لمَ لا نرقى بالفكر العربي عموما عبر الحوار والجدل والنقد والنقاش بدلا من الهبوط به إلى قاع التجريح والابتذال والتطاول والتقريع؟
دعونا نناقش قضايانا بعيدا عن السباب والمهاترات، ونتجادل بعيدا عن التهكم والازدراء، ونتخاطب بعيدا عن القبلية والعصبية...
أين المنطق والعقلانية ونحن نصر على تجاهل أي منطق آخر وإلغاء عقل الآخر؟
وأين الحكمة والوعي والرشاد والمنهجية في التفكير ونحن قابعين في زوايا العند، نتراشق بالشتائم نُشوّه ونُخوّن ونُكفّر كل من يخالفنا الرأي والفكر والأسلوب والعقيدة الفكرية؟
رجائي الحار والأول والأخير... هو الحوار لا الشجار...
لماذا نصر على أن نرسف في أغلال العنجهية الحمقاء وأن ننبت في صحاري الكِبر العقيمة؟
إن الرأي الآخر يمثل فكرا آخر وتجربة أخرى حتى وإن كان يمثل اتجاها آخر وتيارا مغايرا فهو في النهاية يضيف إلى مخزوننا الفكري شيئا ما، و يغني حصيلتنا الثقافية والفكرية ببعد جديد ورؤية مختلفة...
إن كنت أختلف مع مبدئك السياسي أو أتبناه، أحب القائد الشهيد صدام حسين أو أكره الطاغية الدكتاتوري صدام حسين، أمجد قومية عبد الناصر أو ألعن إلحاده واستبداده، أؤيد الحكومة وأبارك قراراتها أو أعارضها وأشجب تشريعاتها وإستراتيجيتها، إن كنت مع التطبيع مع إسرائيل لأنني أومن بخسارة قضيتنا في الظروف الراهنة أو كنت ضد الهرولة للتطبيع باعتباره شكلا من أشكال الخيانة للقضية ومؤامرة على نضال الشعوب، إن كنت داعما لرفع الأسعار باعتباره ضرورة ملحّة من أجل إنقاذ الموازنة من العجز المحدّق بها أو كنت رافضا له مولي الأولوية لفتح ملفات الفساد واتخاذ قوانين أكثر صرامة وشفافية في محاسبة ومعاقبة اللصوص المتآمرين وتتبع بؤر الفساد والإطاحة بها...
إن كنت مؤمنا بالقصيدة العمودية المقفّاة أو كنت من أنصار قصيدة النثر...
إن كنت مسلما أو مسيحيا، سنيا أو شيعيا، بروتستانتيا أو كاثوليكيا...
إن كنت يساريا أو يمينيا، إن كنت من الشمال أو من الجنوب، من الضفة الشرقية أو من الضفة الغربية، من حركة فتح أو من حركة حماس، مع الجمهوريين أو مع الديمقراطيين، أؤيد الرأسمالية أو أنادي بالاشتراكية...
هذا كله لا يمنع إطلاقا أن أستمع برويّة وبصدر رحب إلى الرأي الآخر والحزب الآخر والاتجاه الآخر والثقافة المغايرة والتيار المعاكس... فمن قال أننا تربعنا جميعنا على عرش العلم الذي لا جهل فيه؟ ومن قال أن خبراتنا لا قصور فيها؟ وأن أفكارنا مهما كنا نعتبرها صحيحة لا خطأ أو زلل فيها ولا تحتمل فكرة التغيير والتصويب؟
دعونا فقط ننفض غبار الصلف والعناد والتعصب عن خلايانا الفكرية ونفتح مسامنا الذهنية للهواء والحرية والرؤى والأفكار، دعونا نتطهر من وحل الدُغماتية ونغسل عيوننا القابعة في كهوف الأنا والرأي الواحد واستنكار الآخر بنور الرأي الحر وتعددية الفكر ومبدأ الحوار المفتوح...
ولنجري عملية جراحية راديكالية لاستئصال جذور الجهل والاستبداد الفكري التي تربطنا وتشدنا إلى جذور الرجعية والخلف...
لقد حفل تاريخ البشرية بالثورات الهادفة إلى نوال الحرية والحصول على الديمقراطية، فلنثر على ديكتاتورية الفكر فينا ولنقلب أنظمة الحكم الأنانية التي تحكم آراءنا وفكرنا ومنظومتنا الثقافية بشكل ضيق وبصورة محدودة...
دعونا نصون أقلامنا من التشرد على أرصفة التجريح والمقارعات الساذجة والردود الشخصية التي تصب نقمتها على الكاتب ومذهبه الفكري وتوجّهاته الأدبية وتتطاول على ذات الكاتب بهدف الإساءة، بدلا من أن تُقيّم الموضوع المطروح تقييما موضوعيا وتنقد أفكاره نقدا محايدا وهادفا بغية تلاقح الأفكار واستمرارية الفكر والحوار... ولنرتقي إلى مستوى المسؤولية التي تضعها على عاتقنا أقلامنا...
ولنتذكر مقولة فولتير الشهيرة: "قد أخالفك الرأي، ولكنني على استعداد لأن أدفع حياتي ثمنا لتقول رأيك"...
والله من وراء القصد.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
01-02-2008 04:00 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |