25-04-2016 04:07 PM
بقلم : أ.د رشيد عبّاس
مهما كان الأمر, ومهما كان الطرف, الحكومة أم مجلس النواب, من هو على صح, ومن هو على خطأ, فكل ذلك إلى حد ما بسيط ومقدور عليه وربما تصّوب الأمور, لكن المشكلة الأعظم والاجسم من هم قابعون ونائمون على بطونهم حتى لا يراهم احد وفاتحون المنطقة الوسطى من شفاههم وبشكل ضيق ويقومون متجاهلين مخافة الله بــ(النفخ تحت النار) كي يعمقوا الفجوة بين المتخاصمين أو المتجادلين أو المتحاورين, ..أنا بكل صراحة عشتُ حياة الحطب والنار, وعشتُ حياة البابور والغاز, وأعيشُ ألان حياة الميكروويف, وقرأت رواية حمالة الحطب بعناية, فكل ذلك يحتاج إلى لمسات حذرة,..لقد فهمت جزء من الحياة من خلال التعامل مع الحطب والنار, وفهمتُ من الحطب والنار إن (النفخ تحت النار) عند الناس البسطاء والأبرياء كان من اجل طهي الطعام وغلي قهوة الرجال, وليس من اجل حرق الطعام وحرق القهوة.
يبدو أن النافخون تحت النار وكأنهم في حصة رياضة يتدربوا على عملية الشهيق وهو إدخال الهواء للرئتين، والزفير وهو إخراجه منها، حصص نفخ في الماء, وحصص نفخ في الطعام, وحصص نفخ في الإناء, وحصص نفخ في إصبع الإبهام, وحصص نفخ في النار, والشيء المشترك بين كل هذه النفخات أن (النافخ) في كل هذه الحالات في نهاية المطاف يتعرض لشيء من الدوخة والغثيان وكأنه مضروب على رأسه, ..طبعا نستبعد من كل هؤلاء الناطقين بالحرفين(أف) فوضع هؤلاء مختلف تماما في الشكل والمضمون عن النافخين السابقين, (أف) هنا للاستغراب والاستهجان ليس إلا.
يقال أن النفخ المتعلق في النار ثلاثة أشكال, فمنها النفخ فوق النار ويقوم به عادة الأطفال, ومنها النفخ في النار وتقوم به عادة النساء, ومنها النفخ تحت النار وهو الأخطر ويقوم به بعض المهووسين الذين في نفوسهم شيء طبعا لتجديد الفتن (عفوا) لتجديد النار وإحياءها بعد أن تكون قد حطت وهدأت, هذه الأيام يدور الحديث حول تباين وجهات النظر بين الحكومة ومجلس النواب, وهذا أمر طبيعي إلى حد ما, وهناك العديد من العقلاء لديهم كثير من طرق تقريب وجهات النظر بين الطرفين ولا يحتاج أبدا إلى أشخاص قابعون ونائمون على بطونهم حتى لا يراهم احد وفاتحون المنطقة الوسطى من أفواههم وبشكل ضيق ويقومون متجاهلين مخافة الله بــ(النفخ تحت النار), مثل هذه الأفعال تصنف بجرائم إثارة الفتن وزعزعة الأمن والاستقرار الوطني.
مصلحة هؤلاء النافخون تحت النار مصلحة ضيقة ومصلحة شخصية, ومصلحة مكشوفة للجميع, واعتقد أن هؤلاء أسنانهم جارحة, وألسنتهم بها مرارة, وعيونهم حمراء من الدخان المنبعث, وأصابعهم مشعوطة, هؤلاء يحبوا العيش في الأجواء المتوترة, وربما استفادوا من مقولة «هنري كيسنجر» وزير الخارجية الأمريكية الأسبق يوما من الأيام, حيث نصحوه مساعدوه من عدم السفر إلى منطقة الشرق الأوسط حيث أن وضع المنطقة كان متوترا جدا وقتها, فقال: أنا أحب أن أعيش في الأجواء الملتهبة, ..على هؤلاء النافخون تحت النار أن يستمعوا بعناية لأغنية (لا تلعب بالنار بتحرق أصابيعك واللي بيشتريك بيرجع ببيعك) لأخذ العبر والدروس المستفادة.
بقي أن نقول, في المقابل هناك أشخاص في هذا الوطن ينفخون على أكتاف الورد وعتبات الزهر بكل لطف وعناية من اجل أن يستنشق ويشتم غيرهم الروائح الطيبة والزكية, هؤلاء يهمهم مصلحة الوطن ويهمهم امن وأمان واستقرار الوطن, هؤلاء يعملوا دوما على تهدئة الأمور,..ونقول هنا على الورد أن يتحمل قسوة أشواكه لأنه لا يستطيع أن ينمو دونها, فقليل من الآلام يستحق التحمل أن كانت النتيجة تستحق ذلك, ..نعم في هذا الوطن الطيب «الأردن» رجال كثر لا يخرج منهم إلا الروائح العطرة والزكية عند الخلافات.