28-04-2016 04:44 PM
بقلم : الدكتور مهند صالح الطراونة
يخطيء البعض عندما يقول أن إنفراد الملك في النظام الأردني ببعض القرارات في تعيين بعض المراكز السيادية دون تنسيب من مجلس الوزراء والوزير المختص من الأمور التي إنفرد بها الدستور الأردني ولاتوجد تجارب دستورية بمثل هذا السياق وهي صلاحيات غير مألوفة في دساتير العالم وأنا شخصيا سمعتها من اكثر من شخص ، في حقيقة الامر إن الناظر إلى التجارب المناظرة للنظام الأردني وبالذات الأنظمة الملكية والأنظمة البرلمانية أيضا وفيها برلمانات وديمقراطية ودول أخرى مستقرة سياسيا وذات منعه وقوه في نظامها الدستوري والسياسي ، يكتشف أن هذا النوع من الصلاحيات قد منح هذه المراكز السيادية مزيدا من الإستقلال وأضفى مزيدا من الاستقرار على السلطات في الدولة .
ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى أن الدساتير الملكية تستعمل على الأغلب مصطلحين للصلاحيات المناطة لرئيس الدولة : كالأوامر الملكية والمراسيم الملكية ،وبالصرف النظر عن هذه التسميات فهي قد تختلف من نظام إلى نظام آخر ، إلا انها ذات الشكل القانوني في حيث إنفراد رئيس الدولة في بعض القرارات دون تنسيب من مجالس الوزراء، فعلى سبيل المثال المادة الرابعة من الدستور الكويتي لعام 1962م تنص على أنه ( يعين ولي العهد خلال سنة من تولية الأمير ، ويكون تعيينه بأمر أميري ....الخ ) ، وكذلك تنص المادة (61) من الدستور الكويتي على أنه ( يعين الأمير في حالة تغيبه خارج الإماره وتعذر نيابته ولي العهد عنه ، نائبا يمارس صلاحياته مدة غيابه ،وذلك بأمر ملكي ) ،ومن ناحية أخرى تنص المادة (73) من الدستور الكويتي أيضا على أنه ( يضع الأمير بمراسيم لوائح الضبط واللوائح اللازمة لترتيب المصالح والإدارات العامة بما لا يتعارض مع القوانين .
كذلك يستعمل المنظم الدستوري في المملكة العربية السعودية أيضا هذيم المصطلحين للدلالة على الأداة القانونية التي يستخدمها الملك لممارسة صلاحياته الدستورية ، فيستعمل في بعض الأحيان إصطلاح ( أمر ملكي ) ، فعلى سبيل المثال جاءت المادة الخامسة من النظام الأساسي للحكم تنص على أنه ( يختار الملك ولي العهد ، ويعفيه بأمر ملكي ) ، وكذلك تنص المادة ( 57) من النظام الأساسي على أنه ( يعين الملك نواب الرئيس مجلس الوزراء والوزراء الأعضاء بجلس الوزراء ،ويعفيهم بأمر ملكي ) .
وفي المقارنة أيضا نجد ان بعض الأنظمة الدستورية الملكية أو البرلمانية قد فرقت بين الأوامر والمراسيم الملكية من حيث أن رئيس الدولة ينفرد بالتوقيع على الأوامر الملكية دون مشاركة من جانب الوزارة ، بينما شارك الوزارة رئيس الدولة وفقا لقاعدة التوقيع المجاور ، ومثال ذلك ما نصت عليه المادة ( 128) من الدستور الكويتي على أنه ( مداولات مجلس الوزراء سرية ، وتصدر قراراته بحضور أغلبية أعضائه ، وبموافقة أغلبية الحاضرين ، وعند تساوي الأصوات يرجح الجانب الذي فيه الرئيس ، وترفع قرارات المجلس إلى الأمير للتصديق عليها في الأحوال التي تقتضي صدور مرسوم ف شأنها ) ،وهذه المادة تقابلها نص المادة 40 من الدستور الأردني لعام 1952م على أنه ( يمارس الملك صلاحياته بإراة ملكية وتكون الإرادة موقعه من رئيس الوزراء والوزير أو الوزراء المختصين ، يبدي الملك موافقته بتثبيت توقيعه فوق التواقيع المذكوره .
في حين أننا نجد أن المنظم السعودي بيم مصطلحي الأوامر الملكية والمراسيم الملكية ،ولكن الفقه الدستوري يرى بأن المرسوم الملكي يمثل الإرادة الملكية التي تصدر في شكل قرار مكتوب وبطريقة معينه بوصفه رئيسا للدولة ،وذلك للموافقه النهائية على بعض الشؤون الداخلية والخارجية بعد عرضها وإقرارها من مجلسي الشورى والوزراء ، بينما يمثل الأمر الملكي الإرادة الملكية التي تصدر في شكل قرار مكتوب وبطريقة معينه في أمر من الأمور دون مشاركة مجلس الشورى والوزراء .
وفي التطبيق أرى أن التعيدلات الدستورية الأخيرىة التي طرات على الدستور الأردني وخاصة تلك المتعلقة في إنفراد الملك في قراراته الخاصة بتعين بعض الوظتائف السيادسة في الدولة قد جاءت منسجمتا مع النظام الملكي وخصوصية النظام البرلماني ، وهي لم تضف اية صلاحيات جددة للملك وهي صلاحيات الفها رئيس الدول في الكثيرمن دول العالم ، وأرى في هذا الشأن أن المشرع الدستوري قد أحسن صنعا في هذا المجال ن حيث إن تعيين رئيس وأعضاء المجلس القضائي ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية من قبل الملك و السلطة التنفيذية ، يجعل منهم في مركز أقل إستقلالية من أعضاء البرلمان الذين يتقلد الجزء الأكبر منهم مواقعهم عن طريق الإنتخاب ، لا بل يقل تعيين القضاة العاديين عن أعضاء أعضاء السلطة التنفيذية ، لأن تعين القضاة يتم عن طريق التنسيب من قبل وزير العدل وقرار المجلس القضائي والإرادة الملكية ، وبذلك يشترك أحد أعضاء مجلس الوزراء في تعينهم ،وهذا الأمر ينساق على بقية المناصب القضائية في المحكمة الدستورية وكذلك قائد الجيش والمخابرات والدرك ، وأرى في هذا الشأن وبعيدا عن الإنفعال أو العاطفة وإنما تحكمني الأمانة العلمية كأستاذ قانون أنه لا توجد طريقة أنسب في تعيين رئيس وأعضاء المجلس القضائي ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية غير إنفراد الملك في تعيين هذه المواقع دون الاشتراك مع سلطة أخرى لأن ذلك يعطي هذا السلطات مزيدا من الإستقلال والحيدة وعدم الـتأثر بأهواء ورغبات السلطة التنفيذية ، وقد يدفع البعض ان العرف يقضي في الاردن أن ما يريده صاحب الجلاله هو الذي يسري ولا حاجة لنا بمثل هذه النصوص؛ أقول له أنه على الرغم من محدودية تطبيق هذه القواعد إلا أنه لا يمكن التقلبل من شأنها من الجانب الدستوري والقانوني، ومن جانب آخر من يدعي أن صلاحيات الملك اصبحت مطلقة نقول له ان هذا الإستنتاج غير دقيق وبعيد عن الواقع فحتى الملك يكون ملزم بنصوص الدستور والقانون وبتالي فهوم محكوم مثله مثل أي سلطة أخرى بما وضعته النصوص الدستورية من احكام وقواعد.
Tarawneh.mohannad@yahoo.com