08-05-2016 04:34 PM
بقلم : معن عمر الذنيبات
الديمقراطية كلمة يونانية الأصل بمعنى حكم الشعب، أو سلطة الشعب، فالشعب بالمفهوم الديمقراطي يحكم نفسه بنفسه، وهو مصدر السلطات في الدولة، فهو الذي يختار الحكومة، وشكل الحكم، والنظم السائدة في الدولة؛ السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية؛ بمعنى أن الشعب هو أساس الحكم، وأساس السلطات في الدولة، وهو مصدر القانون الذي تخضع له الدولة . والديمقراطية التي عرفها المجتمع اليوناني، وعلى الوجه الأخص مدينة أثينا لا تعبر عن الديمقراطية الحقيقية بصورتها الحالية، حيث كان المجتمع اليوناني ينقسم إلى طوائف لا تتمتع جميعها بالحقوق السياسية، فهناك طائفة الأرقاء المحرومين من الحقوق السياسية، وطبقة الأحرار الذين لم يبلغوا مرتبة المواطنين، وهؤلاء لا يتمتعون بالحقوق السياسية، وطبقة المواطنين الأحرار، وهم وحدهم الذين لهم حق ممارسة الحقوق السياسية، أي مباشرة إدارة البلاد داخلياً وخارجياً، فلا يباشر جميع أفراد المجتمـع اليوناني سلطة الحكم، وإنما فئة قليلـة هي التي تتمتع بهذا الحق، هذا على خلاف الديمقراطيـة الحاليـة التي تعطـي جميـع أفراد الدولـة حـق المشـاركة السياسيـة في إدارة شؤون البلاد .
وبعد ظهور الشيوعية ، ظهرت الديمقراطية الاجتماعية ، أو الديمقراطية الشعبية ، وهي خلاف الديمقراطية السياسية التقليدية السائدة في الغرب ، ترمي إلى تحقق المساواة الاجتماعية بين الأفراد ، والعمل على رفع مستواهم من الناحية المادية ، أي تحقيق المساواة في الثروة بين أفراد المجتمع ، في حين أن الديمقراطية التقليدية ترمي إلى تحقيق المساواة السياسية فقط بين الأفراد . وبعد التقدم الصناعي والتطور الاجتماعي وظهور الديمقراطية الاجتماعية ، بدأت الديمقراطيات السياسية تتجه اتجاهاً اجتماعياً ، حيث نصّت دساتير الدول الحديثة ، ومنها فرنسا ، على العديد من الحقوق الاجتماعية للأفراد ، ككفالة العمل في الدولة ، ومدة العمل ، وشروطه ، في ضوء صحة العامل ومستواه الاجتماعي ، ونصت على أجر العامل ، وأنه يجب أن يكفل له معيشة معينة ، لا تنـزل عن حد أدنى معين . وكذلك كفالة حق الانضمام للنقابات ، وحق التعليم والثقافة بمختلف أنواعها ، وتمكينهم من ذلك ، بجعل التعليم مجاناً ، وخلاصة القول : إن دول الديمقراطيات التقليدية اتجهت أخيراً إلى تضمين دساتيرها نصوصاً كثيرة تتمثل فيها مظاهر الديمقراطية الاجتماعية .
الا ان السلطة في الديمقراطية تتركز في يد الشعب صاحب السيادة والسلطان، يمارس سيادته بنفسه مباشرة كما هو الشأن في الديمقراطية المباشـرة، أو عن طريق الممثلين والنوّاب كما في الديمقراطية غير المباشرة، أو يمزج بين الوسيلتين، كما هو الشأن في الديمقراطية شبه المباشرة. وهذا على خلاف الحكم الفردي الذي تتركز فيه السيادة في شخص الحاكم وحده، ملكاً كان أو غيره، وعلى خلاف الحكم الأرستقراطي الذي تتركز فيه السيادة والسلطان في يد قلة من أفراد الشعب، ويطلق على النظام الديمقراطي في هذه الصورة حكم الأغلبية كما ان الديمقراطية كمذهب سياسي، ترمي إلى تحقيق المساواة السياسية بين أفراد الشعب في إدارة البـلاد، فلا يتمّ شـيء في الدولة إلا بواسطة الشعب، أو على الأقل برضاه، فهي لا ترمي إلى تحقيق المساواة الاجتماعية، بإصلاح المجتمع من الناحية المادية، وتحقيق المساواة الاقتصادية، ورفاهية المجتمع، كما هو شأن الديمقراطيات الاشتراكية، التي تنظر إلى الحريات الديمقراطية في النظام الرأسمالي بأنها مجرد حريات صورية، وتقرر في حقيقة أمرها امتيازات للأقلية الأرستقراطية الديمقراطية الغربية هي فكرة معنوية وليست مادية، تتعلق بكيفية ممارسة الحكم وسيلة تهدف إلى إشراك أكبر قدر من الأفراد في إدارة شؤون الدولة، في ظل مبدأ المساواة في الحقوق السياسية، وأهمها حق الانتخاب، دون تفرقة بينهم فيها، لتباين صفاتهم، ووظائفهم، فالديمقراطية تقرر لهم هذا الحق، على اعتبار آدميتهم، وهم فيها سواء، يؤكد ذلك أن العقد الذي أُبرم بين الدولة والأفراد (نظرية العقد الاجتماعي) تضمن تنازل كل واحد من أفراد الأمة عن قسط من حريته مساوياً لما تنازل عنه الآخرون ، ليشكل مجموع ما تنازل عنه الأفراد سلطان الجماعة . أو بعبارة أخرى أن السلطة في الدولة هي مجموع ما تنازل عنه الأفراد من حرياتهم بنسب متساوية فيما بينهم، ولهم أن يتمتعوا بحقوقهم السياسـية بنسـب متسـاوية على اعتبار أنهم أفراد دون النظر لصفاتهم أو وظائفهم .