10-05-2016 03:28 PM
بقلم : منور أحمد الدباس
منذ انعقاد المؤتمر الدولي في مدريد من اجل السلام عام 1991 حيث كان الوفد الأردني الفلسطيني برئاسة د. كامل ابو جابر وزير الخارجبه الأردني ، وقد رفض الأمريكان واسرائيل ان يكون الوفد الفلسطيني برئاسة د. حيدر عبد الشافي مستقلاً ، وتم التوصل الى إتفاق بأن يكون تحت مظلة الوفد الأردني ، حيث أن اسرائيل لا تعترف بمنظمة التحرير كممثل وحيد للشعب الفلسطيني ، وكذلك منظمة التحرير الفلسطينيه لم تعترف بحق دولة اسرائيل بالوجود في ذلك الوقت، وعلى أثر ذلك كان محرماً على أي مسؤول رسمي امريكي او اسرائيلي ان يلتق مع الرموز الفلسطينيه وعلى كافة المستويات الرسميه .وكان اللقاء الذي جمع بين السفير الأمريكي والفلسطيني في تونس في 1989هو أول اجتماع رسمي سري يعقد بين الأمريكان والفلسطينيين ، لذلك تم التعتيم عليه ، وظهرت نتائجه فيما بعد ، وكان ما دار في الإجتماع حيث دخل سفير فلسطين المكان الذي تم تحضيره للقاء الطرفين وجلس على الكرسي المخصص له وكلا الطرفين دخل كل واحد من باب مخصص له ، وحين دخل السفير الأمريكي المكان وقف سفير فلسطين ليستقبله ويصافحه لكن سفير امريكا رفض المصافحه او رد التحيه ، وبدون أي مقدمات أوشروحات قال وبلهجه فيها التعالي والكبرياء : لقد امرتني حكومتي بأن أوجه لكم اربعة مطالب وأن يكون الجواب عليها بنعم فقط ، فهل انت مفوض بالإجابه على ما سأطرحه عليك ؟ فاجابه سفير فلسطين نعم انا مفوض من القياده العليا لمنظمة التحرير الفلسطينيه ، قال له السفير الأمريكي : حسنناً هل عندكم كامل الإستعداد للإعتراف بدولة اسرائيل بالوجود ورفض العنف وما يسمى بالكفاح المسلح ؟ نريد منكم الغاء الميثاق الوطني الفلسطيني ، وعدم المعارضه الحقيقيه في التوسع الكبير في بناء المستوطنات ، ، اجاب السفير الفلسطيني كل مطالبكم بالمجمل موافق عليها ، فرد عليه السفير الأمريكي اريد منك ان تجيب بنعم كما اتفقنا في البداية ، فرد عليه سفير فلسطين وكررها نعم ..نعم ..نعم ، بعد ذلك صافح السفير الأمريكي سفير فلسطين ثم جلس على المقعد المخصص له ، ودارت بينهما محادثات في هذا الشأن ، وانتهى الإجتماع وخرج كلاهما من باب واحد ، ويعد هذا الإجتماع هو الأول من نوعه على هامش القضيه الفلسطينيه ، وكان الإجتماع قد مهد لمشاركة الفلسطينين في اجتماع الهيئه العامه للأمم المتحده الذي تمت الموافقه على عقده في فرنسا بدل نيويورك في زمن الرئيس الأمريكي رونالد ريجان ، حتى يتم السماح للوفد الفلسطيني بالحضور وقد اشترطت دول الإتحاد الأروبي والأمريكان بأن يعقد رئيس منظمة التحرير الفلسطينيه ياسر عرفات (ابو عمار )مؤتمراً صحفياً يردد حرفيا ما جاء بمذكره كتبها وزير خارجية امريكا سابق " جورج شولتز" ، ويعترف باللغه العربيه والفرنسيه والإنجليزيه بحق دولة اسرائيل بالوجود، والغاء الميثاق الوطني الفلسطيني ، ونبذ العنف والكفاح المسلح ، وفعلاً تم ذلك وبكل وضوح حيث تم تلقينه عليه رحمة الله بالفرنسيه والإنجليزيه وتحدث على مسامع العالم كله عبر وسائل الإعلام العالميه ، ونتيجة لذلك سُمح للوفد الفلسطيني بقيادة الرئيس ياسرعرفات بحضور الإجتماع والذي أُعطي الوقت الكافي حيث أطال في خطابه الموجه للعالم كله ، وقال عبارته المشهوره من ضمن خطابه المؤثر ( جئتكم من فلسطين العربيه بغصن الزيتون مع بندقية ثائر فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي ) .وفي الوقت الذي كان وفد الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينيه يجريا مفاوضات شاقه مع اسرائيل برعاية واشنطن وموسكو ، كان وفد فلسطيني على اعلى المستويات يجري مفاوضات موازيه مباشره وسريه مع وفد اسرائيلي عالي المستوى في عاصمة النرويج "اوسلو "والذي تم الكشف عنها فجأة حيث استفرد الفلسطينيون بالمفاوضات مع اسرائيل ، وعليه تم عقد اتفاق استرتيجي وتاريخي بين منظمة التحرير الفلسطينيه وإسرائيل عام 1993 وقد مثل اسرائيل وزير خارجيتها شمعون بيريز ومن الجانب الفلسطيني محمود عباس امين اللجنه التنفيذيه ، حيث منح الإتفاق الشعب الفلسطيني الحكم الذاتي تحت مسمى السلطه الوطنيه الفلسطينيه في الضفه الغربيه وقطاع غزه ، وسمح الإتفاق بانتخاب مجلس تشريعي منتخب في الضفه الغربيه وقطاع غزه ، ويكون اتفاق اوسلو لفتره انتقاليه لمدة خمس سنوات ، يتم بعدها التوصل الى تسويه دائمه مبنيه على منطوق قرارات الأمم المتحده 242/338 الا ان اسرائيل لم تلتزم بالإتفاقيه وتبين ان موافقتها على تكوين السلطه الفلسطينيه لتكون سلطة خدمات تساعد المحتل في إدارة الأرض المحتله من صحه وتعليم ،والتنسيق الأمني الكامل ، واكتشف الرئيس ابو عمار عليه رحمة الله وغيره من الزعماء في السلطه الفلسطينيه مبكراً بأنهم لا يستطيعوا التنقل او السفر الى الخارج الاّ بموافقة الحاكم العسكري الإسرائيلي والجهات الأمنيه الإسرائليه . تمت هذه الإتفاقيه بين الفلسطينيين وإسرائيل بعد استبعاد الأردن وسوريا ولبنان من مشروع التسويه المشار اليه ، وقد خرج الفلسطينيون من تحت العباءه الأردنيه بطريقه مذهله وغير متوقعه ازعجت القياده الأردنيه ، كل ذلك مقابل اعتراف اسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينيه كقياده وإطار تنظيمي ، وممثلاً وحيداً للشعب الفلسطيني . الا أن الملك الراحل الحسين بن طلال عليه رحمة الله تعالى قد تأثر مما حصل ، ونظرا لإيمانه المطلق في بذل كل الجهود من أجل احلال السلام العادل والدائم في منطقة الشرق الأوسط ومعتبرا ذلك خياراً استراتيجياً ، خيار الأرض مقابل السلام العادل والدائم ، ولا يمكن لإسرائيل الجمع بين الأرض والسلام معاً ، وكذلك إستطاع وبحنكته السياسيه العاليه وخبراته في المنطقه ، وفهمه لظروف الأردن على حقيقتها ، أن لا يبقي الأردن خارج مربع التسويه ، وفي موضع مواجه مع اسرائيل ، او في حالة لاسلم ولا حرب بعد الحلول الإنفراديه بين اسرائيل من جهه ومصر والفلسطينين من جهات أُخرى ، حيث كل منهما اتخذ قراره منفردا وهرولوا مسرعين لعقد اتفاق سلام مع اسرائيل دون ان يحسبوا حساب للأخرين . لكن الملك الحسين عليه رحمة الله لم ينتظر طويلاً حتى يُبقي الأردن مكشوفاً لا سيما بأن حدوده طويله 650كم مع الإحتلال الإسرائيلي ، حيث أقدم على عقد معاهدة سلام مع اسرائيل وبرعاية الأمريكان عام 1994 من القرن الماضي ، هذا وقد اطلق عليها اتفاقية وادي عربه نسبه للمكان الذي جرى فيه بروتكول التوقيع عليها ، وقد كان ممن حضر الإحتفال الملك حسين رحمه الله ، والرئيس الأمريكي بل كلينتن ، ورئيس وزراء اسرائيل اسحاق رابين ، وقد وقعها عن الأردن دولة د. عبد السلام المجالي ،والذي قال بعد التوقيع عليها بمايملك من شجاعة الرجال ، بأن الإتفاقيه ابعدت الأردن عن شبح الوطن البديل الذي ينادي به اليمين الإسرائيلي المتطرف والذي بعتير بمفهومه الحقير بأن الأردن هو الوطن الفلسطيني . هذا وتم عرض الإتفاقيه على مجلس النواب الثاني عشر والذي صادق عليها بكل اريحيه باستثناء الإسلاميين الذين كان عددهم 17 نائب ، الا ان الأحزاب والنقابات والهيئات الشعبيه ابدت معارضتها الشديده لها ، لكن الوضع قد سار باتجاه تثبيت المعاهده بين الأردن واسرائيل وعلى أمل أن تكون اسرائيل جاره وصديقه في الحاضر والمستقبل ، وقد اثبتت الأيام بأن اسرائيل لا يمكن ان تكون صديقه فهي تفتقد للنوايا الحسنه مع العرب ، ولا تحترم الإتفاقيات ولا الشرائع والعهود والقرارات الدوليه ، وفي هذه الأيام تعمل وتنشط نشاطاً غير طبيعي ومفضوح امام سمع وبصر العرب والمسلمين والمجتمع الدولي ، والذي اصابه العمى والطرش امام محاولات اسرائيل الجاده في تنفيذ مخططات تهويد القدس الشريف ولإستيلاء على المسجد الأقصى ، وتجاهل ولاية الهاشميين عليه ، ناهيك عن التوسع في الإستيطان في القدس الشريف وبشكل يدعو للريبه ، والعرب تبكي على حالهم بعد ما اصابهم من الربيع العربي ، وليس لهم حول ولا قوه لردع المحتل وتماديه في خطواته الخطيره في القدس والأقصى ، وكذلك العالم الإسلامي عامه وكأن ما يحصل في القدس والمسجد الأقصى مسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم لا يعنيه ويقف عاجزاً للدفاع عنهما وهم قادرون على ذلك ويبدو انهم مصابون ومعهم العرب بالذله والمسكنه ، وقد تناسوا مسرى الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ، وغدت القدس الشريف والأقصى المبارك لا تعنيهم وليست من المقدسات التي يشد اليها الرحال . هذا وقد وصل صلف اسرائيل ورعونتها القذره بأن اقدمت على السماح لقطعان المستوطنين اليهود المتطرفين بدخول الأقصى والعبث فيه ، وبطريقه استفزت الشعب الفلسطيني حيث انفجرت انتفاضه ثالثه فلسطينيه بدأت في القدس ثم اجتاحت الضفه الغربيه واطلق عليها " انتفاضة السكاكين " وقد قدم الشعب الفلسطيني مئات الشهداء والجرحى من شباب وشابات على قدم وساق ، وهو مستمر ومصمم في تحدي العدو الصهيوني وقتل جنوده ، كما عودنا بتقديم التضحيات منذ سبعون عام ، ويستمر العدو الصهيوني كعادته في القمع وهدم البيوت والقتل بدم بارد دون أن تحسب حساب لأحد، أين انتم ياعرب ويا مسلمين ؟؟ كعادتكم تركتم الشعب الفلسطيني وحده ينتفض ليدافع عن المسجد الأقصى إذا سمحت له السلطه الفلسطينيه بذالك حيث قالت : "نحن لا نريد التصعيد " .
dabbasmnwer@Yahoo.com