12-05-2016 03:36 PM
بقلم : د. نزار شموط
بدأنا نسمع في الاونة الاخيرة اصوات تنادي بتشكيل حكومات برلمانية بعد الانتخابات التشريعية المقبلة المنوي إجراؤها مطلع العام القادم ، وغالب هؤلاء هم نواب حاليين او نواب سابقين يهيأون انفسهم لخوض الانتخابات القادمة , ويأملون باصطياد عصفورين بحجر واحد , نيابه ووزارة معاً .
هناك اكثر من تعريف للحكومات البرلمانية , احداها أنها تلك الحكومة التي تحصل على ثقة مجلس النواب على بيانها الوزاري ، او بأنها الحكومة التي تتشكل من الكتلة البرلمانية الأكبر في مجلس النواب , أو تلك التي تتشكل بعد التشاور مع أعضاء مجلس النواب ويقرون تشكيلتها . وخبراء السياسة يؤكدون ان جميع اشكال الحكومات وانواعها والوانها هي برلمانية عندما تكون قد نالت ثقة المجلس النيابي على اساس بيانها الانتخابي .
اما عندنا فمفهوم الحكومة البرلمانية هي التي يشترط ان تضم تشكيلتها الوزارية عدد لا بأس به من النواب .
والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا الدعوة الى مثل هذه الحكومات , والتي لم تثبُت نجاعتها وجدواها التجارب السابقة , وخاصة بعد عودة الحياة البرلمانية عام 1989بعد قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية , وكان حينها النواب يشكلون الاغلبية في العديد من الحكومات .
حتى ان جلالة الملك الحسين رحمه الله عبر عن رايه في الجمع بين النيابة والوزارة والمنع خلال مقابلة تلفزيونية عام 1996 قال فيها ( ان الجمع له عيوبه وانه من اسباب تفاقم مشاكلنا بسبب حرص النائب على التركيز على خدمة منطقته ), وهذا هو الواقع . والامر الاخر كيف يستطيع النائب ان يمارس الرقابة والتشريع وهو في الوزارة , ويعمل فيها كجهة تنفيذية , وكيف سيطرح الثقة بالحكومة الذي يعتبر احد اركانها في حال اضطر المجلس لطرح الثقة بتلك الحكومة لاي سبب ! ان عنصر التوازن في النظام البرلماني مبني على اساس التعاون لخدمة الصالح العام والرقابة والمساءلة التي يمارسها البرلمان على السلطة التنفيذية .
ومن ابرز سمات النظام البرلماني انه يقوم على اساس الفصل المرن بين السلطات مع وجود تعاون وتوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية , لا الدمج بينهما .
ان الذين يستشهدون ببعض الديمقراطيات المرموقة التي ُتشكل فيها حكومات برلمانية مثل بريطانيا , اقول لهؤلاء ما وجه المقارنة بيننا وبينهم وكيف يتم مقارنتنا بهم , فبريطانيا رائدة الديمقراطية في العالم يسيطر على الحياة البرلمانية فيها حزبان رئيسان تتشكل منهما الحكومات , وفي الغالب تتشكل من حزب واحد إما العمال او المحافظين .
فعندما نصل لفكر حزبي يشكل احزاب بعيدة عن الشخصنة والقطبية المحكومة بمصالح افراد , حينها تفرز الاحزاب نواب حزبيون لهم برامج تخدم البلد ويمثلون الشارع بصدق , وليس نواب تفرزهم العشائرية والفئوية والمناطقية , عندها نقول اننا نريد حكومات برلمانية .
ان تجربة توزير النواب في ما سميت بالحكومات البرلمانية , كانت عبارة عن اقحام وزج لهؤلاء في وزارات استرضائية , لم يحققوا فيها غير مصالح ومنافع شخصية لهم ولناخبيهم , وادى بالتأكيد لتغييب دورهم الرقابي والتشريعي الذي بالاصل جاء انتخابهم على اساسه
والسؤال ما الحكمة ان نعيد هذه التجربة مرة اخرى ؟
فلنترك السلطة التنفيذية تقوم بدورها , وليتحمل النواب المهمات الموكلة اليهم والتي كفلها لهم الدستور بالرقابة والتشريع بحيادية ونزاهة .