14-05-2016 04:19 PM
بقلم :
من البديهيات في الحياة الإنسانية السليمة أنها لا تستقيم بغير القيم والأخلاق باعتبارها من ضروراتها التي تمس الحاجة إليها تماما كالحاجة إلى الطعام واللباس , وكالحاجة إلى الأمن والشعور بالطمأنينة , وهي من أسباب التعايش بين الناس , فلا يمكن تصور العلاقات بين الناس من غير القيم التي تضبط العلاقات , وتشكل مرجعية يحتكم الناس إليها كجزء من المرجعيات الثقافية والفكرية .
وبناء القيم مسؤولية جماعية من الواجب أن تتضافر الجهود المجتمعية لبنائها البناء السليم الذي يحمي المجتمع , ويمكنه من المحافظة على كيانه من عوامل الضعف والانحراف , وفي الفكر الإسلامي ما يدل على هذه المسؤولية الجماعية في حماية المجتمع قول النبي صلى الله عليه وسلم : "مَثَلُ القَائِم في حُدُودِ اللَّه والْوَاقِع فيها، كَمثل قَومٍ اسْتَهَموا على سَفِينَةٍ، فَأَصابَ بَعْضُهم أعْلاهَا، وبعضُهم أَسْفلَهَا، فكان الذي في أَسفلها إذا استَقَوْا من الماء مَرُّوا على مَنْ فَوقَهمْ، فقالوا: لو أنا خَرَقْنا في نَصِيبِنَا خَرقا ولَمْ نُؤذِ مَنْ فَوقَنا؟ فإن تَرَكُوهُمْ وما أَرَادوا هَلَكوا وهلكوا جَميعا، وإنْ أخذُوا على أيديِهِمْ نَجَوْا ونَجَوْا جَميعا" رواه البخاري .
وحديث السفينة مثل في غاية الدلالة في أن حماية المجتمع مصلحة مشتركة لجميع أفراده وفئاته ، فإذا أخطأ بعضهم انسحب هذا الخطأ على الباقين كما في قوله تعالى " وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً "سورة الأنفال الآية:25.فمحاولة بعض الناس العبث بالمجتمع وقيمه من عوامل هدم المجتمع , وبقاء المجتمع مرتبط بعملية الثقافة المجتمعية التي تشكل القيم عنصرا من عناصرها الأساسية ,ومن المؤسسات المسؤولة عن بناء القيم وحمايتها الأسرة , والمؤسسات التربوية بما فيها المدرسة , والمؤسسات الإعلامية , ودور العبادة والعلماء والدعاة وغيرها .
وفيما يتعلق بالمؤسسات التربوية فيقع عليها العبء الأكبر باعتبارها الجهة المختصة في بناء الإنسان وإعداده للحياة بصورة عملية , والمدرسة ينظر إليها على أنها مؤسسة اجتماعية تهدف إلى تحقيق غايات المجتمع الثقافية والفكرية والاجتماعية والقيمية , كما أنها تعنى بإكساب المتعلم المهارات والعادات السلوكية كي يكون فردا صالحا في مجتمعه .
ولا يمكن للتربية أن تنجح بدورها في إعداد الفرد دون التركيز على التربية القيمية التي تركز على الآداب والأخلاق وتعويد ه السلوك الحميد , وفي هذا الجانب يلاحظ أن الخلل قد أصابه لكثرة المؤثرات التربوية التي تؤثر على توجيه سلوك الفرد , وتبعده عن أهداف المجتمع في حماية المنظومة القيمية , ولم تتمكن التربية من بناء المنظومة القيمية بالصورة المطلوبة , وهذا الأمر يتطلب تعاون مؤسسات المجتمع مع التربية والتعليم بشكل وثيق في عملية التوجيه والتوعية عبر برامج هادفة ورؤية منهجية يشارك في اعدادها والإشراف عليها المؤسسات المجتمعية الفاعلة , ولا يعقل أن تترك التربية تمارس دورها في بناء القيم منفردة حماية المجتمع وقيمه .