21-05-2016 09:49 AM
بقلم : أ.د رشيد عبّاس
التريث قبل إصدار الأحكام هي منحة من الله عز وجل للأشخاص, يمنحها لمن يشاء ويسلبها ممن يشاء, فتعاملنا مع الناس ومع مختلف القضايا ذات الصلة بحكمنا على الأمور وردود أفعالنا وأسلوب حوارنا تجاه ما يحدث من حولنا على وجه العموم يحتاج إلى مزيد من التأني والتروي والعد للعشرة قبل إصدار الأحكام, فكثير من الأحكام المتسرعة ظهر عكسها لاحقا بعد تفحص الأمور وقد فات نتائج الحكم عليها, ومنها الشروع بالقتل والانتحار والهروب إلى المخدرات وعموم المشاكل الأخرى.., ووقتها لا ينفع الندم, كيف لا وقد قال الله تعالى: (يا أيها الذين امنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبوا على ما فعلتم نادمين).
العلاقة بين غسيل الجيران والإعلام المتسرع, هي علاقة وجهين لنفس العملة, وقبل معرفة كيف ذلك, لنقف قليلا مع حكاية (غسيل الجيران), تقول الحكاية يا سادة يا كرام: في إحدى المدن انتقل رجل مع زوجته إلى منزل جديد وفي صبيحة اليوم الأول وبينما يتناولان وجبة الإفطار قالت الزوجة مشيرة من خلف زجاج النافذة المطلة على الحديقة المشتركة بينهما وبين جيرانهما, قالت: انظر عزيزي إن غسيل جارتنا ليس نظيفا لابد أنها تشتري مسحوقا رخيصا, ودأبت الزوجة على إلقاء نفس التعليق في كل مرة ترى جارتها تنشر الغسيل, وبعد شهر اندهشت الزوجة عندما رأت الغسيل نظيفا على حبال جارتها, قالت الزوجة لزوجها: أنظر لقد تعلمت أخيرا كيف تغسل, فأجاب الزوج: عزيزتي لقد نهضت مبكرا هذا الصباح ونظفت زجاج النافذة التي تنظرين منها.
لقد تبين أن غسيل الجارة دائما نظيف, ولم يكن يوما من الأيام غير ذلك, وان النظر للأشياء من خلال زجاجنا والذي يحتاج إلى تنظيف خطأً فادحاً, حيث لا نرى من هذا الزجاج الحقيقة بوضوح, فقد يكون سبب (عمى الألوان) الكلي لدينا هو زجاجنا المحيط بنا والذي يحتاج للنظر من خلاله إلى تنظيف صدورنا من العوالق والشوائب ومن بقع الأوساخ والأحكام المسبقة والأجندات الرخيصة ومن ما يصيب عقولنا من التشوهات والانفصام والأمراض والعُقد النفسية والتي تجعلنا أمام تحديات كبيرة تواجهنا كل يوم,.. هذا وللأسف الشديد حال أغلب البشر, وحال بعض الإعلام والإعلاميين, فــــ(الإعلام المتسرع) هو إعلام هابط بجميع المقاييس حتى لو كان حكمه صحيحا, لان تأجيل إصدار الأحكام الصحيحة برهة من الزمن ربما يخدم المصلحة العامة, نعم (الإعلام المتسرع) وغير المسؤول هو آفة ربما تقضي هذه آلافه على شعب أو امة بأكملها.
يبدو أن هناك بعض رجال الإعلام المشهورين قد جسدوا حكاية (غسيل الجيران) بطريقة رائعة, حيث قال «ماكلوهان»: هناك تحول نوعي سريع في الإعلام، حيث أصبح (للإعلام الجماهيري) قدرة هائلة على الانتشار، مما يكسبه قدرا كبيرا من التأثير, وأشار «يورغن» قائلا: أصبح الإعلام يقوم بدور صناعة (الرأي العام) عن طريق الاستمالة والتلاعب والسيطرة المفروضة عليه، وبالتالي صناعة ما يسمى بالثقافة السائدة, أما «تومسون» فقد أكد أن الإعلام يقوم بتوسيع دائرة (القضايا العامة) وإثرائها، في حين أن «بودر» يؤكد أن الإعلام يقوم بخلق واقع جديد يسمى (الواقع المفرط)، الذي يتجسد في ما نشاهده من صور وأحاديث وتعليقات التي يتم انتقاؤها دون القدرة على نقل الصورة الكاملة والمتواضعة للحدث.
بقي أن نقول نحن: علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا, وعلينا مراجعة ضمائرنا قبل إصدار الأحكام على الناس أو الأشياء, فقد تكون نوافذنا المعتمة هي التي ترينا أعمال الآخرين أخطاء, علينا أن نصلح عيوبنا قبل أن ننتقد عيوب الآخرين, ونقول أيضا لإعلامية (غسيل الجيران) المحترمة, والتي اكتشفت قاعدة ارخميدس عفوا اكتشفت أن (غسيل جارتنا ليس نظيفا), ليرد عليها زوجها قائلا(هذا الصباح نظفت زجاج النافذة التي تنظرين منها) مؤكدا خطأ اكتشاف زوجته, نقول لها بعد التوكل على الله: شيلي هالنظارة, تنشوف عيونك,ريتك عنا جارة, تنضل .., والبقية عندكم.