24-05-2016 01:25 PM
بقلم : أ.د رشيد عبّاس
يقال والله اعلم أن رجلا مسنا في احد القبائل القديمة اسمه (أبو وضّاح) يتصف دائما بقول الحق ولا يخاف في الله لومة لائم, ولان قول الحق يكشف زيف الآخرين, فقد كانت تعمد هذه القبيلة على تغيّيب هذا الرجل المسن في مناسبات جلسات القبيلة خوفا من كشف المستور, ففي احد جلسات صلح القبيلة مع قبيلة أخرى على قضية اجتماعية معينة, خاف أفراد القبيلة والتي ينتمي لها أبو وضّاح من كشف المستور أمام أفراد القبيلة الأخرى, حاولوا تغييبه عن الصلحة إلا انه رفض ذلك, ولإسرار أبو وضّاح حضور الصلحة, وافق أفراد القبيلة حضوره هذا الرجل قائلين له:(اجلس ولا تحكي ولا كلمة).
أبو وضّاح كالصندوق الأسود من حيث الإسرار, مع العلم انه لم يكن وقته صناديق سوداء, وليس لديه معرفة انه في كل طائرة صندوقان وليس صندوق واحد يقعان في مؤخرة الطائرة يسجلان ما يحدث للطائرة طول فترة سفرها, الصندوق الأسود الأول وظيفته حفظ البيانات الرقمية والقيم الفيزيائية (الوقت، السرعة، الاتجاه), وأما الصندوق الأسود الثاني فوظيفته تسجيل الأصوات (مشاحنات، استنجاد، حوارات), الصندوقان مجهٌزان ببث غوص يندلع إذا ما غاصت الصناديق في الماء وتطلق إشعارا فوق الصوتي للمساعدة على العثور عليهم, يبث هذا الإشعار ويمكن التقاطه في عمق يبلغ 3500 متر.
هذه الأيام نلاحظ أن (الصناديق السوداء) والموجودة في الطيران المدني, والمصممة لحفظ البيانات الرقمية, وتسجيل الأصوات وبثها مهما كانت الظروف, نلاحظ أنها حصل لها ما حصل لـــ (ابو وضّاح), فقد جلست دون كلام, لكن أفراد قبيلته صاحبنا (أبو وضّاح) مجتمعين قالوا له اجلس دون كلام أو سلام طبعا خوفا من كشف المستور, نقول من قال للصناديق السوداء الجلوس في قاع البحار والمحيطات دو كلام أو دون همز أو لمز, أو ربما دون نفس, هل هي الجهة الصانعة لمثل هذه الصناديق؟ أم أن هناك ناس عطلوها ليفعلوا فعلتهم؟
(أبو وضّاح) كان يجلس ملفوف بعباءته السوداء, وكان يحمل بين أصابع يديه السبابة والوسطى سيجارة(هيشي) ملفوفة بورق اوتومان, هذه السيجارة كانت تسمى بــ(ثماني عقدة), يخرج منها خيط من الدخان الأزرق المائل للبياض, لتدل على مكان جلوسه وان أخفى المستور قصرا في عباءته السوداء, نقول هل ممنوعا لمثل هذه الصناديق معرفة مكان وزمان تواجدها؟ الجواب عند حيتان البحر عفوا عند حيتان الإنس,..أبو وضّاح سينهض لحظة من اللحظات ويكشف المستور أمام الله وأمام عبده, ومثله ستفعل الصناديق السوداء مجهولة الهوية.
بقي أن نقول أن معظم الفضائيات الأجنبية تضع احتمالات متوقعة لحادث سقوط الطائرة المصرية, فبعض الفضائيات الأجنبية قالت خروج دخان من (الحمام) الخلفي لغرفة الكابتن الأمر الذي أدى إلى اشتعالها, وبعضا الأخر قال انحراف حاد في مسار الطائرة مما أدى إلى سرعة سقوطها بالبحر, في حين ذهبت أخرى إلى وقوع خلل فني في نظامها الالكتروني أدى إلى انفجارها, ...يبدو أن جميع هذه التحليلات متفقة على شيء واحد وهو تضليل الرأي العام المصري.
الشيء المضحك المبكي عند عالمنا العربي أن بعض الفضائيات العربية بدلا من وضع احتمالات لمثل هذه الكارثة وتحليلها, فقد ذهب البعض منها إلى صرف وقت طويل في كيفية تفريز (الملوخية)! وبعضها الأخر ذهب إلى طرق وشم (الإبل) وعلاقة ذلك باسم القبيلة! وأخرى وضعت أغنية يا صبابين الشاي زيدو حلاتو!