30-05-2016 03:16 PM
بقلم : د عودة ابو درويش
عام 1920 من أصعب السنين التي مرّت على الناس في شرق الاردن ، ان لم تكن الاصعب ، ففيها انتهت آمال الناس الذين شاركوا بالثورة العربية ، وحلموا بإنشاء دولة عربية اسلاميّة موّحدة حرّة ووجدوا أنفسهم تحت حكم الاحتلال البريطاني والفرنسي ، وفرضت الظروف على الملك فيصل ترك الحكم في دمشق والسفر الى لندن عن طريق ميناء حيفا , بعد أن كان يعتبر نفسه ملكا عربيا في سوريا ولكن الفرنسيون كانوا يعتبرون أنّ شمال سوريا الطبيعيّة تحت حكمهم بعد أن تقاسموا مع البريطانيين الجزء الاسيوي من تركة الدولة العثمانية . وفي مدينة حيفا قابل الملك فيصل بعض القادة من منطقة شرقي الاردن ، وطلبوا منه أن يبقى عندهم ليقاوموا المحتل وينّصبوه ملكا ولكنه نصحهم بأن يتعاونوا مع الانجليز وان يأخذوا منهم وعدا بتشكيل دولة في منطقتهم , وغادر الى لندن والقاهرة ليتم تنصيبه ملكا على العراق التي كانت أيضا تحت الانتداب البريطاني .
في الأشهر الاولى من عام 1920 ،وقع الناس في شرقي الاردن بالحيرة ، وأحسّوا بالمؤامرة التي تحاك خيوطها عليهم ، وأخذوا بتكوين حكومات محلّية وصلت الى ثمانية حكومات في ثمان مدن صغيرة من عجلون الى الطفيلة . وكلّ حكومة لها قيادتها الخاصة وتعتبر نفسها في حلّ عن الاوامر التي تأتي من المدن الاخرى ، وذلك بتشجيع من الانتداب البريطاني الذي رأى المندوب السامي فيه أن سياسة فرّق تسد من أنجع السياسات في التحكّم بمصائر الناس ، وأنه لا بد من القضاء على الحلم العربي بتكوين دولة عربية واحدة , بتفريق الناس الى حكومات صغيرة في مدن صغيرة يسهل التحكّم فيها ، ويكون الكلمة الفصل فيها للضبّاط الانجليز المنتدبين في هذه الحكومات . وفي نفس العام اجتمع المندوب السامي في قم مع قيادات حكومات هذه المدن وخرجوا باتفاق على بنود كلّها تكّرس الوجود البريطاني والاستعانة به من أجل القيام بتكوين دولة مستقبلية يرعاها ثعلب ماكر ويتحكّم بها بعض من العساكر الانجليزيّة ، مع أنّ المجتمعين كانوا يأملون غير ذلك .
اجتمع شيوخ معان وباديتها في منتصف عام 1920 وكتبوا وثيقة تعتبر بيعة للشريف الحسين بن علي ، ملك العرب ، كتبوا فيها أن أهل معان ، الحجازيّة والشاميّة ، انتخبوا شيوخ العشائر وفوّضوهم لبيعة ملك العرب الشريف الحسين بن علي ، وأنّهم يقدّمون ارواحهم ليحرزوا الاستقلال العربي وتكوين امّة عربية اسلاميّة حرّة مستقلّة تحت راية ملك عربي يطبّق الشريعة الاسلاميّة الغرّاء ، وانّهم يرفضون كلّ سيطرة أجنبية رفضا باتا ويريدون أن تكون بلادهم جزءا من أرض الحجاز الغير قابلة للتفريق ، وأن يحكم بما أنزل الله ، وأن تقام فيهم حدوده ، وأنّهم أوّل المجاهدين في سبيل الله عن الوطن المقدّس . ووقّع هذه الوثيقة البيعة الشيوخ المنتخبين وختموها بأختامهم .
روت لي جدّتي أنّ الناس لمّا سمعوا بمقدم الأمير عبدالله ابن الشريف الحسين الى معان ، تقاطروا من كلّ المدن الاردنيّة وتحوّلت معان الى ملتقى وطني كبير لكل رجالات شرق الاردن والعرب القادمين من سوريّا الشمالية ، وأخذوا يدخلون زرافات الى مقرّ اقامة الأمير لمبايعته ، وهي منهم ، ووصفت لي طريقة جلوسهم أمام الأمير مبتسمين مستبشرين بحلم ستكون بدايات تحققه مع نهايات العام العشرين من القرن العشرين .