14-06-2016 10:13 AM
بقلم : د. زيد سعد ابو جسار
مع بداية منتصف عقد الثمانينات من القرن الماضي بدء مخطط فصل المؤسسات الاقتصادية واستقلال كل منها عن الوزارة التابعة لها بحجة عدم ربحيتها وعدم القدرة على إدارتها وتطويرها ،ثم امتد هذا النهج ومبرراته للموارد الطبيعية والثروات حيث تمت الخصخصة ،ورفع يد الدولة عن تحديد الأسعار وتغييب دور وزارة العمل وتراجع دور الدولة في المؤسسات الخدمية مثل التربية والصحة لصالح القطاع الخاص في كل منها ........
من الطبيعي أن نفهم أن المقصود من كل ذلك هو التوجه للنظام الرأسمالي من خلال مروجين ومتبنين الفكر الليبرالي الرأسمالي اللذين لم تتجاوز معرفتهم به حدود إطاره الخارجي وهو تعارض النظام الرأسمالي مع أي هيمنة او مشاركة للنظام السياسية ، سواء على مستوى الدولة المباشر، آو استغلال مناصب الدولة أو المحسوبين المجهولين، فدور الدولة في النظام الرأسمالي دور رقابي محايد يمكنها من تحقيق العدل الذي يحد من تغول الرأسمال في ممارسة الاحتكار على المجتمع ويحقق المساواة لليد العاملة من خلال التوظيف والأجور والحقوق،وهذه من أهم مشاكل النظام الاقتصادي الرأسمالي في العالم ،كما أن معرفتهم لم تتجاوز الإطار الخارجي لمفهوم العدالة الاجتماعية في النظام الرأسمالي،وتعارضها مع العدالة الاجتماعية في مجتمعاتنا ،فالإنسان في النظام الرأسمالي مجرد عنصر من عناصر الإنتاج ،لهذا فان الكثير من معاهدات حقوق الإنسان التي تم توقيعها هي لتحرر الإنسان من القيم( مفهوم شعار الحرية الرأسمالية وهي من مساوئ النظام الرأسمالي ) لهذا فان بعض الاتفاقيات ما زالت حبرا على الورق لحين ترويض فكر المواطن بكفر الفقر الذي تستباح به القيم الاجتماعية حيث بدئت الأزمات الأخلاقية والمشاكل الاجتماعية تبرز وتتنامى في وعلى المظهر العام للمجتمع ...........
البحث عن الحلول للازمة الاقتصادية والاجتماعية لا يتطلب الكثير من الجهد كون الأسباب معروفة ومعلوم بدايتها ،إنما تتطلب الحلول الشجاعة ومن الخوف على النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي (أسس الدولة )،من خلال المحافظة على نهج المجتمع الذي حقق الأمن والأمان على مدى عمر الدولة ،وعلى تبني الدولة إدارة مؤسساتها وثرواتها الاقتصادية والخدماتيه ،فالمجتمع الأردني مجتمع محدود الدخل لا يتحمل فواتير خدمات القطاع الخاص فمعظمه منخرط في مؤسسات الدولة التي تتكفل بتقديم الخدمة الصحية مقابل اقتطاعات مالية من الموظف مما يوجب على الدولة تبني الخدمات للمواطنين ،ووضع يد الدولة على الموارد الطبيعية المحدودة وتوزيعها بالعدل لنموا جميع المحافظات وتوزيع السكان لتصبح المحافظات محافظات حقيقية .........
رغم كل هذه السلبيات التي تطورت مع كل مرحلة من مراحل التوجه نحو النظام الرأسمالي ، إلا أن المنظرين للرأسمالية ما زالوا يصرون على نجاح هذا النظام ،رغم أن العديد من الدول المحسوبة على النظام الرأسمالي تتبنى قطاع الخدمات ولا تسمح للقطاع الخاص بأخذ دورها، فالنظام الرأسمالي ومنذ قيامه وهو في مراحل التطوير والتعديل ، وقد تم مزجه بالكثير من المفاهيم الاشتراكية .وهذا يدل على أن المنظرين لهذا النظام هم من الفئة البرجوازية المسيطرة على السلطة السياسية تمكنها من حماية مصالحها ونمو ثرواتها عل حساب عجز الموازنة وفقر الإنسان .........
إن تحليل بسيط لواقع الحال يثبت تغول البرجوازية الاقتصادية علي السلطة السياسية وتغييبها إلا من مسؤوليتها والمواطن في حمل ديون البنك الدولي ،وهذا التغول والتغييب واضح في احتكار الاستثمار ومحاربة أي مستثمر جديد ،واحتكار الاستيراد وأسعار السلع ،وهذا التغول واضح في غياب المنافسة ،وحجم البطالة نتيجة تغييب وزارة العمل ودورها في تقليص حجم البطالة من خلال تحديد حجم العمالة الوافدة، وتحديد الحد الأدنى للأجور الذي يؤمن العيش الكريم للعامل مما يشجعه على الإقبال على العمل في القطاع الخاص ،ومردود ذلك على حركة الأسواق وعلى العملة الصعبة . وعلى زيادة مردود صندوق الضمان الاجتماعي الذي حييد عن الاستثمار في القطاعات الرابحة ،فمشاركة القطاع الخاص ليس منة إنما مقابل التسهيلات ،والخدمات،والاعفاات ،والبنية التحتية، والأمن ، المقدمة له من أموال الشعب ......
بعد ثلاثة عقود من التحول للنظام الرأسمالي الذي يقوم على الحرية والعدل والمساواة ، لم يتحقق منها إلى الحرية وهي تحرر الإنسان من القيم، ولم يتحقق العدل في السياسة الاقتصادية لتحقيق المساواة للمواطن في حقه بالعمل حيث البطالة ، ولم يتم حماية المواطن من الاحتكار لغياب المنافسة ، وبقي المستفيد الوحيد من هذا التحول المسيطرين على السياسة والاقتصاد ،حيث التهرب من الضرائب رغم حدة النظام الرأسمالي فيها ، وأصبحت المؤسسات التي تم اقتطاعها من وزاراتها عبارة إمارات داخل الدولة لطبقة التوارث السياسي الاقتصادي محمية من المسائلة ومكفولة في الربح والخسارة حيث يتم سد عجزها من الخزينة ،والحال نفسه مع الموارد الطبيعية التي تم بيعها حيث أنها في الغالب ما تكون خسرانه أمام قانون الضرائب ، حيث يسد عجز الموازنة بالديون على حساب المواطن بالتالي على حساب أمنه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي يحققه العودة إلى العدالة الاجتماعية والتوازن بين السياسة والاقتصاد .........