18-06-2016 01:33 PM
بقلم : عيسى محارب العجارمة
- رسالة إلي روح الشيخ الشعراوي: مكانك مايزال شاغراً
- سبب رفض الشعراوي لمنصب شيخ الأزهر.. وسر أمنيته الأخيرة التى لم تتحقق !
- نصيحة " الإمام " إلي الشباب : سيأتي يوم وتجد من يضحي من أجل ابتسامة يرسمها علي وجهك .. فلا تغلق أبواب قلبك لأنه ليس كل من يدقها ينوي جرحها !
- حفظ القرآن كاملاً وعمره 11 عاماً .. ووضع التراب في عينيه لكي يفشل في الكشف الطبي للمعهد الأزهري !
- كان إمام أول صلاة جمعة تقام في مبني الأمم المتحدة .. ورفض وصف "خواطره الإيمانية" بأنها تعني تفسيراً للقرآن !
- كان يبرر قبوله منصب وزارة الأوقاف قائلاً : إذا كانت الوزارة خيرا فقد دخلنا فيه.. وإذا كانت شرًا فقد خرجنا منه !
18 عاماً ومازال مكانه شاغراً .. وشعور ملايين المصريين بافتقاده يزداد يومأً بعد يوم ، خاصة قبل صلاة العصر كل يوم جمعة أو قبل انطلاق مدفع الإفطار في رمضان ، وكم نشتاق إلي جملته الشهيرة في بداية كل درس ديني " وقفنا في اللقاء السابق، عند قول الحق سبحانه.." ، لم يكن رجل سلطان أو دنيا كما يدعي البعض ، ويكفيه أنه عاش عمره بين البسطاء بينما كان يطلب ملوك الأرض القرب منه ، استخدم عقله كما أمره الله .. حاول واجتهد ، أخطأ وأصاب لأنه بشر .. لكن نحسبه أنه لم يكن من " تجار الدين " أو صانعي الفتاوي المثيرة للجدل ، وكما وصف نفسه .. قضي عمره في علوم الدين لا يرمي أحداً بكفر أو ضلال ، كلامنا عن فضيلة الشيخ الراحل محمد متولي الشعراوي والذى نتوقف مع صفحات من حياته بمناسبة ذكرى ميلاده .
الدين لله والوطن للجميع
ولد الشيخ الشعراوي في 15إبريل عام 1911بقرية دقادوس بمركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية ، وحفظ القرآن الكريم في الحادية عشرة من عمره ، كان معروفاً عنه حبه للشعر ، وكان الشيخ أمين - كما كان يشتهر بين أهل قريته - الابن الأكبر لأبويه ، لذلك وهبه والده للعلم في الأزهر، لكنه كان يحب الأرض والزراعة ، مما جعله يحاول الهروب من دخول المعهد فوضع التراب في عينيه لكي يفشل في الكشف الطبي ، وحينما علم أنهم يقبلون حتى المكفوفين ، تناسى عمدا بعض كلمات القرآن الكريم ، وأخطأ في قراءته أمام الممتحن ، كي لا ينجح ويتخلص من الدراسة ، ولكن نظرة من والده ، جعلته يتراجع ويتلو القرآن وينجح في الامتحان ، والتحق بمعهد الزقازيق الابتدائي الأزهري، ونشأ الشيخ الشعراوي في أسرة متدينة متعلقة بأهم مبادئ حزب الوفد " الدين لله والوطن للجميع " ، وكان عاشقاً لشخصية الزعيم سعد زغلول، والتحق بكلية اللغة العربية سنة 1937 وحصل على العالمية مع إجازة التدريس عام 1943 ، وبعد تخرجه عمل بالمعهد الديني بطنطا ثم انتقل بعد ذلك إلى المعهد الديني بالزقازيق ثم المعهد الديني بالإسكندرية ، وبعد فترة خبرة طويلة انتقل إلى العمل في السعودية عام 1950 ليعمل أستاذاً للشريعة في جامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة، لكنه مع الخلاف الذي دار بين عبد الناصر وملك السعودية منعه الرئيس الراحل من العودة ثانية إلى السعودية، وعين في القاهرة مديراً لمكتب شيخ الأزهر الشريف الشيخ حسن مأمون ، ثم سافر بعد ذلك إلى الجزائر رئيساً لبعثة الأزهر هناك لمدة 7 سنوات ، ورغم حادثة سجوده شكراً لله وقت نكسة 1967 والتى بررها قائلاً " فرحت لأننا لم ننتصر ونحن في أحضان الشيوعية " ، لكنه بعد وفاة عبد الناصر ذهب ليقرأ الفاتحة في ضريحه وكتب في دفتر رثائه " أنت أستاذ في الزعامة.. ومعلم ثورة " ، وكان الشيخ الشعراوي هو إمام أول صلاة جمعة تقام في مبني الأمم المتحدة ، كما كان عضواً بمجمع اللغة العربية ومجمع البحوث الإسلامية ، وتزوج وهو في المرحلة الثانوية وانجب ثلاثة أولاد وبنتين ، وقد توقفت مسيرة الشيخ الشعراوي في 17 يونيو 1998 .. وشاء الله ألا تتحقق أمنيته الأخيرة وهي كما قالها في حوار صحفي " ما أتمناه من الله أن يمد في عمري لكي أصلي بالمسلمين في بيت المقدس وهو محرر من أيدي اليهود الغاصبين " .
خواطر الإمام !
الشيخ الشعراوي هو أشهر مفسري معاني القرآن الكريم في العصر الحديث بلا جدال ، وهو صاحب أول تفسير مسموع ومرئى كامل للقرآن الكريم ، وعمل على تفسير القرآن بطرق مبسطة وعامية واستطاع الوصول لشريحة كبيرة من المسلمين في كل أنحاء العالم العربي، ولذلك أشتهر بلقب " إمام الدعاة " لقدرته على تفسير أي مسألة دينية بمنتهى السهولة والبساطة، وكان تركيزه على النقاط الإيمانية في تفسيره ما جعله يقترب من قلوب الناس، وبخاصة وأن أسلوبه يناسب جميع المستويات والثقافات ، وبرز الشيخ الشعراوي كداعية عندما قدَّمه الإعلامي أحمد فراج في برنامجه الإذاعي " نور على نور " الذي استمر 10 سنوات ، وبدأ الشيخ محمد متولي الشعراوي تفسيره على شاشات التليفزيون منذ السبعينيات بمقدمة حول التفسير ، ثم شرع في تفسير سورة الفاتحة وانتهى عند أواخر سورة الممتحنة وأوائل سورة الصف وحالت وفاته دون أن يفسر القرآن الكريم كاملاً ، لكن له تسجيلاً صوتياً يحتوي على تفسير جزء عم كاملاً ، واعتمد في تفسيره على عدة عناصر من أهمها اللغة كمنطلق لفهم النص القرآني ، ومحاولة الكشف عن فصاحة القرآن وسر نظمه ، والإصلاح الاجتماعي ، ورد شبهات المستشرقين والمزاوجة بين العمق والبساطة وذلك من خلال اللهجة المصرية الدارجة ، وكان يرفض أن توصف دروسه بأنها " تفسير " للقرآن ، يقول : خواطري حول القرآن الكريم لا تعني تفسيراً للقرآن. وإنما هي هبات صفائية تخطر على قلب مؤمن في آية أو بضع آيات.
الوزير الشعراوي !
وافق الشيخ الشعراوي علي تولي منصب وزارة الأوقاف عام 1976 ، وروي الشيخ سبب قبوله المنصب قائلاً " من كثرة ما سئلت كنت أرد على كل من سألنى: إذا كانت الوزارة خيرا فقد دخلنا فيه.. وإذا كانت شرًا فقد خرجنا منه " ، وقد أصدر قراراً وزارياً بإنشاء أول بنك إسلامي في مصر ، لكنه بمرور الوقت شعر بأن الوزارة ليست مكانه .. وكان يردد دائماً أمام رئيس الوزراء ممدوح سالم " اعتقوني لوجه الله " حتى ترك الوزارة مع أول تعديل بعد أقل من عامين في منصبه ، كما حاول الرئيس السادات إنهاء خريف اعتقالات سبتمبر 1981 ، وامتصاص غضب الناس عليه عن طريق الاستعانة بالشيخ الشعراوي في منصب شيخ الأزهر ، لكن الشعراوي احتج بلهجة تهكمية " وشيخ الأزهر اللي موجود هتعملوا فيه إيه؟ " ورفض تماماً المنصب ، كما عارض الرئيس السادات عندما الذي قال عن الشيخ أحمد المحلاوي بعد اعتقاله " إنه مرمي في السجن زى الكلب " فأرسل له الشيخ الشعراوي برقية شهيرة يقول فيها " إن الأزهر لا يخرج كلابًا ولكنه يخرج علماء أفاضل ودعاة أمجاد " ، وعندما جاء الرئيس الروماني نيكولاي تشاوشيسكو إلى القاهرة، طلب السادات من الشيخ الشعراوي اصطحابهم إلى دار الأوبرا لتحية الرئيس الضيف، وما إن بدأ العرض ورأى الشيخ الرقصات والموسيقى المصاحبة ضرب الأرض بقدمه ومال وجلس واضعاً قدماً على الأخرى؛ فأرسل إليه السادات ممدوح سالم -رئيس الوزراء وقتها- وقال له: الرئيس يطلب منك أن تعتدل في جلستك.. فصاح الشيخ " اعتدلوا أنتم أولاً " ، لكنه ظل يحتفظ بعلاقة جيدة الرئيس السادات .
رسائل لكل المصريين
وجه الشيخ الشعراوي رسالة للرئيس الأسبق مبارك يمكن اعتبارها خطاباً مفتوحاً إلي كل رئيس يتولي أمر هذا البلد ، قال له : إذا كنت قدرنا فليوفقك الله، وإذا كنا قدرك فليعنك الله على أن تتحمل .. ونحن سنعينك بأن نصلي من أجلك ، كما سبق له توجيه رسالة للحزب الحاكم قال فيها : رجّح ولا تجرح، ولا تضبط نفسك على " نعم " دون استحقاق، فدوام الوفاق نفاق ! كما نصح أحزاب المعارضة بعدم التشبث بـ"لا"، قائلًا: المعارضة عرض رأى أمام رأي فلا هي فرض ولا هي رفض فلاتضبطوا أنفسكم على (لا) بدون إنصاف" ، وهو يري أن الثائر الحق هو من يثور ليهدم الفساد ثم يهدأ ليبني الأمجاد .. وكان يتمني أن يصل الدين إلي أهل السياسة .. ولا يصل أهل الدين إلي السياسة ! وكانت له مقولة شهيرة هي " لو رصدت ما حدث لمصر فلن يبق إلا أن تسأل : كيف تبقى مصر حتى الآن ؟ ذلك لأنها كنانة الله في أرضه ، ومن يعتدي على نسلها وأمنها ومالها ، يأخذه الله اخذ عزيز مقتدر " .
وصايا الإمام الأخيرة !
كان شيخنا الجليل يري أن المال عبد مخلص .. لكنه سيد رديء ، ودائماً ما كان يردد أن الحساب في كل شيء مؤجل إلي يوم القيامة ماعدا ظلم الناس ، وأنه لا تجد أى معركة بين حق وحق لأن الحق واحد .. ولا تطول أى معركة بين حق وباطل لأن الباطل دائماً زهوقاً ، ونصح الدعاة قائلاً " الدين كلمة تقال وسلوك يفعل ، وإذا انفصلت الكلمة عن السلوك ضاعت الدعوة ، وكانت كلمته لشباب المسلمين هي " لا تقلق من تدابير البشر ..فأقصي ما يستطيعون فعله معك هو تنفيذ ارادة الله " .. ودائماً ما كان يبشرهم قائلاً " سيأتي يوم وتجد من يضحي من أجل ابتسامة يرسمها علي وجهك ، فلا تغلق ابواب قلبك .. فليس كل من يدقها ينوي جرحها " ، وقال لكل البشر : إن لم تستطع قول الحق .. فلا تصفق للباطل ! ، كما نصحهم " لا تعبدوه ليعطي .. بل اعبدوه ليرضي " ، وكان يذكرهم دائماً " لا يقلق من كان له أب، فكيف يقلق من كان له رب ؟! " .. وكان يردد دائماً " " الحياة أهم من أن تنسى .. ولكنها أتفه من أن تكون غاية " ! وختاماً لا ننسى مقولته الشهيرة " أن الإنسان منا حين تغيب الشمس , يحاول فى الظلام أن يجد له ضوئا , هذا الضوء يختلف باختلاف قدرات الناس وإمكانياتهم , ولكن حين تطلع الشمس يطفىء كل انسان مصباحه , فأطفئوا مصابيحكم فقد سطعت شمس الله " .