09-07-2016 04:06 PM
بقلم : فيصل تايه
حتى لا نخسر المستقبل ، يجب أن لا ننكر دور الشباب في الريادة المجتمعية وحقيقة ذلك على مختلف المستويات ، فهم من يشكلون الفئات الواسعة من أطياف مجتمعاتنا الشابة من حيث العدد .. والزخم .. والفاعلية ، خاصة فيما يتعلق بالعملية الإنتاجية والتنمية ، فهم روح الأمة الوثابة وحيويّتها المتدفقة وعزيمتها الفتية ، فيما يشعر الكثيرين منهم أنهم الفئة الأكثر إحباطا وتهميشاً ، لما تواجهه من تحديات مصيرية جسيمة تتعلق بأوضاعهم التي تنذر بمستقبل مبهم المعالم ، فهم يفتقدون إلى الاستراتيجيات القادرة على التعامل معهم بشكل يؤمن لهم العيش المستقبلي الرغيد ، والتي تدفعهم باتجاه الإنتاج والبناء ، إذ أنهم في أمس الحاجة إلى من يلتفت إليهم ويهتم بقضاياهم ، فسماعهم وتبني مطالبهم والاهتمام بأفكارهم وتحقيق تطلعاتهم ووقف هدر طاقاتهم وامتلاكهم لأدوات ديمقراطية فاعلة للتواصل تمكنهم على ضوئها من الإفصاح عن حاجاتهم وتعزيز ثقافة الحوار لديهم وتقبلهم للرأي والرأي الآخر كي يتمكنوا من أداء دورهم الطليعي ، بعيدا من التهميش والإقصاء والحرمان وإشباع الحاجات فواجبنا أن نخشى عليهم في ظل الظروف والتحديات التي نعيشها ، فهم في أمس الحاجة لتشجيعهم وتعزيزهم وتحفيزهم استثماراُ لطاقاتهم وإمكاناتهم الإبداعية الخلاقة ، وليتحملوا مسؤولياتهم تجاه وطنهم وخدمة لقضاياه في ظل عقد اجتماعي أساسه العدل والمساواة .
إن تداعيات الحراك الشعبي في المجتمعات العربية وفي مختلف دول المنطقة كان له التأثير القوي بين صفوف الشباب وفكرهم تحديداُ ، وأصبحت صورة التغير هي الصورة الوحيدة التي يرونها ، ذلك بتشبعهم بثقافة الانقلاب بفعل غزو ثقافي وفكري تحريضي استهدفهم بصور قوية مستغلا أبوّة المجتمعات العربية واحتكارها لمراكز القيادة المجتمعية وتهميشها لدور الشباب في قيادة عجلة التقدم مستغلة أسلحتهم العصرية وشغفهم بها عبر وسائل الاتصال الالكترونية الحديثة والفعالة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي عبر الشبكة العنكبوتية والقنوات الفضائية وغيرها وتحويلها لوسائل تثقيف وتوعية وتحريض لتحاكي الشباب وتشبع رغباتهم الثائرة ، مستغلة نيرانهم الخامدة لينتفضوا على واقعهم .
ان عدم وجود أدوات فاعلة وأفكار إستراتيجية وبرامج نهضوية موجهه لفئات الشاب بصورة خاصة وشفافة أدى إلى ما حلّ بالمجتمعات العربية من رضوخ وتأزم وفوضى ، فأصبحت تواجه معضلات جمة متمثلة بالقهر والقمع والاستغلال والبطالة بكافة أشكالها ، متفوقة في معدلاتها جميع المستويات العالمية ، ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل يتعداه إلى تدهور سياسات التربية والتعليم والفساد الإداري والمحسوبية وانعدام الشفافية والمكاشفة ، والتمسك بالرؤى الفكرية المستهلكة والخطاب السياسي التقليدي الممتهن .
إننا هنا في الأردن لسنا في منأى عمّا يدور حولنا من تلك الأحداث ، فكم نحن بحاجة خطاب قوي يتضمن ثقافة موجهه تضرب بعمق ضمير الشباب ، تخاطبهم بلغتهم وتفكيرهم وترشدهم للابتعاد عن الاستهلاك والمدنية الزاهية ليتمكنوا من مجابهة شعاعها الأخاذ ، بل وتوجههم نحو الايجابية في العمل والابتعاد عن الطرق والوسائل غير القانونية المضللة بحيث لن يكونوا فريسة سهلة للأفكار الخبيثة واللئيمة التي تعبث بعقولهم وتوجههم نحو العنف أو نحو تبني رؤى ومعتقدات تكفيرية هدامة غريبة عن عاداتنا وقيمنا، والمساعدة في التصدي لأي شكل من أشكال البؤس والقمع والحقد .. وإشراكهم في المشهد السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي ، حتى لا يكونوا عناصر هدم وتخريب ، تجنباً لتحول طاقاتهم إلى نار خامدة ما تلبث أن تنثر لهيباً يولد العنف كما يحدث الآن في مختلف المجتمعات العربية .
ونحمد الله أن عدداً كبيراً من شبابنا الأردني يمتلك الفهم الصريح لمنطق الحياة المعاصرة كخيار حتمي ، فهو الحريص كل الحرص على ترسيخ مفاهيم الوسطية والاعتدال ، لكننا نحتاج بالضرورة إلى التأكيد على تبني منظومة القيم التي يحل فيها الإيثار بدل الاستئثار ، وروح التسامح بدل العصبية ، والحوار والتفاهم والقبول بالآخر بدل الاختلاف والتزمت والإقصاء ، وضرورة الوقوف على القضايا التي تمسهم بعيداً عن الشعارات والهتافات ، فمن المؤكد أن شبابنا أكثر وعيا وإدراكا لواقعهم وتقديراً لمستقبلهم لإيجاد السبيل الذي تكسبهم العيش بحرية وكرامة ، وهذا ما ينبئ بمستقبل زاهر للأجيال القادمة للنهوض والرفعة ، بعيدا عن الصمت والخوف والانكسار ، فما نحتاجه اليوم حراك شبابي ايجابي يأخذ مكانه ليبعث على الأمل والتفاؤل في خضم منظومة عالمية جديدة ، وهذا لن يجلب النتيجة المرجوة إلا بتكريس وتعميق مفاهيم القيم الإنسانية ومفاهيم الحرية الحقة ..
وأخيراُ فان الدعوات المتكررة لجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين في هذا السياق ما زالت جلية واضحة وجادة بالعمل على أهمية تأهيل الشباب الأردني ليكون قادرا على تحقيق النقلة النوعية ضمن برامج وخطط مدروسة تساهم في اكتشاف طاقات الشباب وإبداعاتهم وقدراتهم في المشاركة الفعالة في عملية التنمية الوطنية الشاملة وتعزيزها لاعداد جيل من الشباب مدرب وواعي قادر على حمل مسيرة البناء في الوطن وخلق شبكة تعاون بين الجميع للمساهمة في تطوير مشاريع مستقبلية تخص الشباب الاردني بدفع كافة الهيئات الشبابية والتعاون فيما بينها للارتقاء بقطاع الشباب الحيوي من اجل الخروج بجيل قادر على تحمل المسؤولية وملتزم تجاه وطنه .
حمى الله وطننا وشبابنا.