11-07-2016 01:58 PM
بقلم : رائد سليمان الخشمان
من اهم شروط نجاح القيادي في عمله الى جانب مؤهلاته الاكاديمية وخبراته العملية٬ هو تمتّعه بدرجة عالية من الذكاء واستشراف المستقبل والقدرة على الابداع٬ ولنا أمثلة كثيرة في التاريخ استطاعت ان تحقق ما يُشبه المعجزات٬ وبفضل مجهودات بعض القادة واخلاصهم استطاعوا نقل بلدانهم من حالة الافلاس والتخلّف والفقر الى ان اصبحت بلدانهم متقدمة اقتصادياً وعلميّاً وصناعيّاً. ومن اوضح الامثلة على هؤلاء رئيس وزراء سنغافورة وباني نهضتها الحديثة "لي كوان يو" الذي قاد بلاده وحوّلها الى قوّة اقتصادية عالميّة مؤثرة خلال اربعة عقود امتدت منذ استلامه الحكم عام ١٩٥٩ الى عام ١٩٩٠م. اما ماليزيا التي كان سكانها يعيشون في الغابات حتى مطلع الثمانينات٬ عندما رزقهم الله بقائد فذّ اسمه مهاتير محمد وهو الذي استطاع ان ينهض بالبلد الآسيوي الذي يفتقد للثروات الطبيعية٬ ويعتمد سكانه بشكل اساسي على صيد الاسماك والعمل في زراعة الاناناس والموز والمطاط٬ فحوّلها الى بلد صناعي عظيم واحد نمور آسيا٬ ودولة متقدمة من دول العالم الاول في بنيتها التحتية وتقدّمها العمراني والاقتصادي وتسامحها الديني. هذين المثالين هما شاهدان على أنه متى ما أخلص القائد النيّة ومتى ما أُعطي الفرصة لبناء بلده من يستحق٬ فإنه لا مكان لمستحيل.
فالقائد الناجح هو من يبحث عن حلول للمشاكل التي تواجه مؤسسته٬ ويسعى لخلق مصادر دخل جديدة لها٬ والهام العاملين معه وتحفيزهم للابداع والانجاز٬ واشعارهم بمسؤوليتهم تجاه المؤسسة وملكيتهم لها. كل هذا لا يتم بطريقة فردية بل من خلال الاستفادة من خبرات العاملين بوضعهم بفرق عمل ولجان تناسب مؤهلاتهم وخبراتهم وتعمل على ايجاد الحلول والاستفادة من الامكانيات المتاحة بافضل صورة ممكنة٬ وهذا بدوره يقود الى نجاح المؤسسة مهما كبُرت او صغُرت٬ والسؤال الذي يخطر بالبال هو كم من مسؤولينا يملك كلاً من المؤهل وأيضاً لديه القدرة على الابداع والابتكار؟
من هنا فالمطلوب اذا ما رغبنا بالقضاء على الفساد بأن يتم إختيار قياديي البلد وفق مواصفات دقيقة وبعد اختبارات تقيس مستوى الذكاء والقدرة على الابداع والابتكار٬ بالاضافة الى الصفات الشخصية كالامانة المشهود له بها منذ الصغر والصدق وحُسن السيرة والسلوك في مختلف المراحل العُمرية٬ وعليه يجب أن يكون لدينا مؤسسة بكادر متخصص محدود تُعنى بإختيار القادة في المواقع المختلفة٬ وتكون مسؤولة أيضاً عن متابعة الاحالات على التقاعد أو الترفيع الى الوظائف العليا. فهل يُعقل أن يتم أحالة الآلاف من الضباط والموظفين في المراكز القيادية وهم ممّن دفعت عليهم الدولة مئات الملايين لتأهيلهم وإعدادهم دونما تمحيص وتدقيق وبقرار فردي من مسؤول وبجرة قلم٬ فيحيلهم الى التقاعد لانه فاسد وغير كفوء ويرى فيهم تهديداً لمنصبه؟ فيخسر الوطن بالتالي كفاءات مؤهله في أوج عطاءها ويخسر هؤلاء بانضمامهم الى طوابير البطالة وهم في مرحلة عُمرية مبكرة (بداية الاربعينيات) بسبب مزاجية مسؤول دون الرجوع الى أسس واضحة. وعليه يجب مأسسة هذه القرارات لتمر من خلال اجراءات مبرمجة وتعتمد على تقارير أداء سنوية موثوقة وموثّقة في كل دائرة ووزارة ثم تُرفع هذه القرارات لتمر عبر مؤسسة شؤون القادة (إن جازت التسمية) أو تحت أي مسمّى آخر للتأكد من سلامة الاجراءات٬ بحيث يستحق المُحال على التقاعد قرار الاستغناء عن خدماته ويكون مبرراً له٬ ويستحق المسؤول المترقي لرتب أعلى الترفيع ويعرف لماذا استحق ذلك٬ فيتحفّز للابداع والمزيد من الانجاز.
بأعتقادي متى ما طبّقنا مأسسة قراراتنا بصورة منهجية في الترفيع أو الاحالة على التقاعد٬ فإن الجميع سيسعى لتطوير اداءه والاخلاص والجدّ في عمله وسيشعر بالامن الوظيفي وبالعدالة٬ فينطلق ليحقق الانجازات٬ وعندها فقط نستطيع ان نحلم بظهور قادة غير فاسدين وبماركة مهاتير محمد او لي كوان يو يستطيعون أن ينهضوا بوضعنا الاقتصادي من الحضيض الى الرفاهية والعيش الرغيد ... لعله حلم بعيد المنال ولكنه قريب التحقيق بحُسن اختيار القيادات٬ يقول الله تعالى: "إن خير من استأجرت القويّ الأمين".